على العكس مما يدور في أروقة ”الهرج والمرج” السياسية في العراق ، فإنّ العناية الامريكية بوجود القوات في هذا البلد ستكون في أعلى درجاتها . إنّ ما يجمع أمريكا بالعراق اتفاقية شاملة وليست أمنية، كما يجهل بعضهم ، وانّ مثالاً واحداً يوحي بحجم التعاون الذي لافكاك منه إلا بثمن غال لاقبل للعراق به وهو في حالة الشلل والتدهور والتبعية. وأبسط مثال هو طائرات أف 16 الامريكية التي اشتراها العراق لكن العقد ينص على ان صيانتها وادامتها وتجهيزها بيد الجانب الامريكي، ومن ثمّ ستتحول هذه الطائرات المتطورة الى مجرد خردة ، من دون صيانة . من جانب آخر، فإنّ الاستراتيجية الامريكية المرتبطة بتفاهمات مع قوى كبرى ومنها روسيا على نحو خاص، لاتتيح لواشنطن خيار التراجع الفوري مهما كانت الاسباب، بل انّ الرد والمطاولة هو جزء من الاستراتيجية الامريكية ذاتها، فلا أحد يذهب به التوهم الى أنّ كلاماً انفعالياً في سياق ترضية مصلحية فئوية وجزئية، يمكن له نسف ركن من أركان الوجود الامريكي في العالم، لاسيما وتحديداً بعد الاتفاقية الكبيرة التي وقعتها حكومة سابقة في بغداد، ومنحت للأمريكان ما لم يحلموا به وما أرادوه فعلاً، وهي تزف” البشرى” للعراقيين الذين كانوا لا يدرون بما يدبر لهم ، غارقين بموجات من التفجيرات والضحايا في شوارع مدنهم. لم تعد تنطلي على أحد هذه الالعاب البهلوانية من الاقطاب السياسية التي جاءت بالامريكان الى العراق في العام 2003 وسهلت لهم مهامهم ، واعتقلت ونفت واستباحت كل مَن كان يقول انها قوات احتلال ، وروّجت تلك الاقطاب المستمرة في المشهد بحماس وثقة لمصطلح القوات الصديقة . فعلاً كما يقول المثل،انقلب السحر على الساحر . نعم ، هناك اليوم انقلاب واضح من الاقطاب لتغيير البوصلة ، والسير في المحور الايراني ضد المحور الامريكي ، لكن ذلك سيكون في اطار تغييرات هيكلية داخلية، قد تلحق الاذى بحركة الاحتجاج الشعبي، لكن لن تستطيع تدمير استراتيجية أكبر دولة في العالم ، لاتزال تتمسك بشرعية ما قامت به أصلاً .