الكاظمي المهزوم امام الدولة الموازية المتمردة (7 منظورات)

عبد المنعم الاعسم

11/07/2020
1-اغتيال هشام الهاشمي، العقل الاستراتيجي في مجال اخطار التطرف وجماعاته، كشف في ما كشف عنه ان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي دخل النفق الذي دخله سلفَه عادل عبدالمهدي: الاستجابة لإملاءت (شروط. تهديدات. خطوط حمراء. تحديات..) الكتلة السياسية "الشيعية" النافذة في البرلمان، كما اخفق (على خطى عبدالمهدي) في احتواء، أو ضبط، نشاط الجماعة المسلحة التي تنفذ الفروض الايرانية على الساحة العراقية، والقابضة على مُسمّى وارادة الحشد، فيما ابرزت جريمة اغتيال الهاشمي، وقبلها معركة منصة صواريخ الكاتيوشا بمنطقة الدورة في 25 حزيران، وتضاعيفهما، هشاشة الاجراءات التي استخدمها لفرض سلطة الدولة، والتبريرات التي قدمها الى الرأي العام عن عجزه الذي انتهى في الواقع الى القبول بسيادة المليشيات المنفلتة على الدولة الموازية لدولة دستور 2005 ، وإن بدت هذه المواقف وكأنها "تحت الاكراه" في لعبةٍ تقرب من المغامرة، إذ يقدم فيها الكاظمي رقبته يوميا طواعية لحبالهم، عِوضَ ان يلوح (هو) بتلك الحبال اليهم من موقع سلطة القرار التي تحتكر، عادة، أدوات الإكراه كما يعرف طلاب مدارس السياسة المبتدئين، فيما يحاول اتقاء نيرانهم الكثيفة على مستقبله بـ"حلفاء" من جنسهم، او معسكرهم، كمن يلوذ من الرمضاء بالنارِ.
2-على مسافة من هذه السلطة، فان الشوارع وساحات العصيان المدني بملايينها الغفيرة مهيئةٌ، ومعبأة كفايةً بعوامل الانفجار المؤجل، لقلب المعادلة على رؤوس خصوم الكاظمي، في وقت (انتباه) يتصدع بنيانهم وتتشظى وتتضارب وحداته المنخورة، الامر الذي يُعدّ في صالح رئيس الوزراء إن أحسن ادارة المعركة مع اطلاق رسائل فصيحة برسوخ ارادة االتغيير في خطواته، وأنْ لا عودة عنها، كما كان قد بشّر غداة تكليفه، غير انه (حتى اللحظة) لا تبدو مؤشرات لجوء الكاظمي الى الرديف الملاييني.
3-الكاظمي تبرع لخصومه بسلسلة من القرارات والمواقف والتعيينات، الاعلامية والامنية والادارية، فأقنعهم (من حيث لم يحتسب) بجدوى المنهج الذي يستخدمونه لكبح نياته في التغيير، وإجباره على الانحناء.. منهج العربدة المليشياوية والجُمل الاعلامية الدخانية والمسرحيات البرلمانية المصنّعة، وبلغ به الاستضعاف ان يأذن بابقاء رموز الفساد التي تنهب ثروة البلاد وتستفرد بالامتيازات الاسطورية في مواقعها، وان يرخّص لمرتكبي مذابح الساحات وكبار رجال المافيات بالقبض على "خوانيكَ" الدولة الدستورية، وان يتفرج، وباستسلام، على اختطاف جهاز إعلام هذه الدولة الخطير من قبل "تكية" المحاصصة الطائفية الفاجرة، وجاءت محاولته تعيين اعلامي من خارج الطابور على رأسها تعبيرا صارخا عن التخبط كونها استهدفت تكريس بقاء هذه "التكية" على حالها بدل تفكيكها وانها العبء الذي تشكله على الموازنة الوطنية، والى ذلك فقد فاجا الكاظمي الرأي العام بتعيينات محاصصية طائفية فاضحة في مكتبه واجهزة الامن والقوات المسلحة وفي هيئة الاعلام والاتصالات التي امتلأت بالفضائيين والفاسدين حتى غصت بهم(كما قال هو نفسه) كما نزل منزلة عادل عبدالمهدي في تطييب خواطر الحيتان وهو يتحدث علنا لوفد من رجال الاعمال يوم الخميس 2 تموز بالقول ان حكومته "ليست حكومة تصفيات حساب بل هي حكومة توافق لتجاوز الأزمة"...تصوروا !.
4-وفيما كان المتوقع ان يمد الجسور الى معاقل الاحتجاجات، وهي مصدر قوته وموشور صدقيته لدى الشعب، وانْ يضع خطة ميدانية لتطمين ابطالها واشراكهم في منظومة المعالجات، فقد اصبح واضحا للمتابع عن قرب بان الكاظمي نأى عن هذه الساحة، بمسافة كبيرة، واكتفى بالتعامل مع ملف الثوار بمكتبية باردة وعواطف اعلامية لا تختلف كثيرا عن عواطف سَلَفه، او عبر تكليف منتدبين باجراء لقاءات مع محتجين لتسجيل مطالبهم، وسط تساؤلات مشروعة عمّن لم يسمع بعد هدير الملايين ومطاليبهم، وانتهى الحال الى تراجع الامل حيال شعاراته الاصلاحية في الساحات وجماهيرها الى منسوب لا يُرى بالعين المجردة.
5-لعل الاكثر خطورة في هذه التداعيات ما ظهر ويظهر من علائم ارتياح (او استرخاء) على الاداء السياسي اليومي للكاظمي وتصالحه مع عقيدة المحاصصة ولعبة الرئاسات الثلاث وفضائح صفقات الكتل في البرلمان المنبوذ ومع فروض التهدئة حيال تحالف الكاتيوشا السياسي وبيئته الطائفية، ومن اللافت، والغريب، ان يجد المراقب بين التسريبات تبريراً جديراً بالتأمل، يفيد بان الجانب الامريكي نصح الكاظمي بوجوب تبريد خطوط التماس مع المليشيات واهلها، والحذر من فتح جبهة صِدام وكسر عظم مع المعسكر الموالي لأيران، في هذا الوقت، ولنا ان نُدخل التزام هذه النصيحة المسمومة في عوامل اقتراب موعد هزيمة الكاظمي امام التحالف المناهض الذي قرأ تلك النصيحة جيدا.
6-على ان ثمة استدراك معياري "حساس" يطرح نفسه بإلحاح امام مصير نيات الكاظمي ومشروعه الاصلاحي الذي استقبلته الملايين العراقية باحتفاء وأمل، وهو يشمل ما يعرفه الكثيرون (وكاتب السطور منهم) عن انتماء الرجل لعقيدة الدولة المدنية وحقوق الانسان والعدالة ومناهضة الطائفية والشوفينية، ليتمحور الاستدراك هنا عند سؤال شديد الوجاهة: هل سيبقى الكاظمي امينا لهذه الهوية والتزاماتها؟ أم ان اغواء السلطة سيتكفل بترويض ما هو صح قبل القبول بنقيضه، وهو اغواء سقط فيه الكثيرون منذ ان وضع افلاطون معادل الدولة الرشيدة.. كحاكم ومحكوم.
7-على اللوحة السياسية العراقية، بدا لي ان فرقاء دولة المحاصصة والفساد (من كل المكونات) وضعوا في التعامل مع حكومة الكاظمي ترسيما استباقياً لمصالحهم محوره حماية امتيازاتهم ودويلاتهم وولاءاتهم، وقد حققوا هذه المصالح عن طريق التجييش والتهديد باسقاط الكاظمي واستخدام فزاعة البرلمان، وحققوا نجاحا كبيرا في إضعاف تأثير انتفاضة الشعب التي كادت ان تطيح بدولتهم.
اما فرقاء معسكر قوى الدولة المدنية والديمقراطية وفعاليات التنظيم الاجتماعي المهني والثقافي وتنسيقيات الحراك والفئات والشخصيات المستقلة والوطنية، وهي، مجتمعةً تشكل قوة تغيير واصلاح جبارة وحاسمة، فقد توزعت على طيف كبير من الخيارات والرؤى والمواقف، وتمركزت في مستويين، الاول يراهن على مرحلة ووعود وادارة الكاظمي ويُحسن الظن بلا تحفّظ بنياته الاصلاحية، والمستوى الثاني، اغلق باب التقصي والتحليل متمسكا باليقين الشائع حول بطلان التأسيس على ارضية برلمان 2018 والعملية السياسية ومخرجات طبخة حكومة الكاظمي، والحال فان قوى التغيير اضاعت الفرصة الذهبية في بناء مرجعية (حلقة) تضمن الحد الادنى من اشكال ادارة العمل المشترك، ولعل الذريعة الاكثر بطلانا هنا تتمثل (في رأيي) بالقاء تبَعة ذلك على ساحات الاعتصام بالقول انها لم تشكل قيادات لها، وبصرف النظر عن سلامة وعدم سلامة هذه الاراء، يجدر ان نشير الى مبادرة خلاقة كان ينبغي لها ان تصبح محورا للبديل عن دولة المحاصصة، واعني تجمع الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الذي اصدر بيانا عميقا ومسؤولا في التاسع من تشرين الثاني 2019 كان يصلح ان يكون ارضية لعمل ميداني يوفر دماء المتظاهرين ويقرّب اعلان تشكيل دولة المواطنه، غير ان الجري اخذ طريقه بعد ذلك الى مجرى آخر، دفعته الهواجس والذاتيات السياسية وضيق النظر ومدفوعات اخرى.. والامل (الآن) في طاولة مستديرة تضع على الورق والشارع والساحات قضية واحدة: التغيير.
Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group