ضبط النفس.. وهم أم حقيقة؟

فاتح عبد السلام

21/09/2019

يتردّد على نحو واضح النبرة، منذ أن حدث الهجوم المدمر على المنشآت النفطية في السعودية، عنوان قوي هو ضبط النفس. وكأنّ الشرارة العظيمة على بعد لحظات من موقد الحرب. وبات هذا العنوان متنقّلاً من فم دولة الى اخرى، إذ تارةً تشير اليه السعودية نفسها، وتارة يفخر به الرئيس الامريكي، وثالثة يرد في سياق مكالمة هاتفية للرئيس الصيني، بل انّ وزير الخارجية الامريكي بومبيو، وهو أول الذين اتهموا ايران، عاد بعد زيارة الرياض ليتحدّث عن ضبط النفس، وهكذا.

حسناً الجميع يحفظ الدرس جيداً وهذا ضروري للغاية اليوم، لأنهم في منطقة الاحتراق وليس ايران وحدها، وانّ أسلم طريق لهم في الرد، هو كما فعلت واشنطن الجمعة حين رفعت مستوى العقوبات على ايران بما يخنق بنكها المركزي.

وفي قراءة سريعة للمشهد المحتدم في الخليج، لا يكون بيد السعودية سوى هذا المسمّى (ضبط النفس)، لأنها غير مستعدة لبديله وهو الرد الذي تحفّه المخاطر، اذا اتّجه الرد نحو أهداف في ايران مثلاً بوصفها المتهم الاول في الهجوم. إذ عند ذلك لا تحتاج ايران لتجعل صواريخها بحسب الرواية الامريكية تدور عبر العراق والكويت لتصل الى اهدافها، وانّما تقطع البحر مباشرة وبأقصر المسافات. وهذا احتمال وارد جدّاً. كما انّ العالم سيشكك في الردع السعودي بوصفه مبنياً على ظنون وروايات امريكية بات التنصل التدريجي منها واضحاً.

حال السعودية اليوم مثل حال العراق في حزيران 1981 حين دمرت طائرات اسرائيل المفاعل النووي الوحيد للعراق والمعروف باسم تموز، والذي كان البلد يعول عليه للنهوض والخروج من عنق زجاجة بلدان العالم الثالث مع الوفرة النفطية. وفي وقتها قال العراق انّه يحتفظ بحق الرد، وانّه مشغول بمعركة الجبهة الشرقية التي هي ايران. وعندما قصفت الولايات المتحدة كل شبر في العراق في حرب الكويت، ودمرت بنيته التحتية بشكل شبه كامل، اعلن أنه سيرد على اسرائيل، وردّ بتسعة وثلاثين صاروخاً، وطلبت واشنطن من تل ابيب ضبط النفس وعدم الرد على العراق الذي كان يتمنى توريط اسرائيل في الحرب بناءً على وهم في مخيلة الحاكم في انّ العالمين العربي والاسلامي سينتفضان وقوفاً مع العراق بدل السكوت وتركه وحده. وهذا وهم كبير، نتمنى مخلصين أن لا تقع فيه السعودية التي نسمع بعض الاصوات فيها أحياناً تتحدث عن العمق الاسلامي الذي لن يقبل المساس بالسعودية بلد الحرمين الشريفين، وهذا من الاوهام السياسية المستوطنة. ولا يشبهه سوى وهم آخر في انّ العالم لن يسمح بتهديد امدادات النفط القادمة من السعودية، وهي خمسة بالمائة من الاحتياج العالمي، ولعل دولاً كثيرة تنتظر هذه الازمة بفارغ الصبر لرفع اسعار النفط من جهة ولتصريف النفط الصخري عالي التكلفة من جهة اخرى، فضلاً عن تلك الرغبة الدفينة في اجبار أثرياء العرب على شراء المزيد من السلاح ولو بالدين.

السؤال الأهم هو، ماذا سيفعل العالم إذا قررت ايران بعد خنقها بعقوبات جدية، عدم ضبط النفس، كما تتململ الآن؟

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group