تجربة تظاهرات قاسية تدفع اهالي المحافظات الغربية إلى الصمت

18/11/2019 نبيل عزامي

بينما تشهد العاصمة بغداد إحتجاجات جماهيرية مطالبة بالإصلاح وتغيير الحقائب الوزارية؛ تتوجس الاراء غربي العراق من الكشف عن تأييدها الصريح لها.
موقف صامت إلتمست له ساحات الإحتجاج في بغداد والمحافظات الجنوبية أعذارا مشروعة، بحكم مرارة التجربة التي مرت بها المحافظات الغربية من مآسي خلال تظاهرات ٢٠١٢ وإنهيار المدن بيد الجماعات "المتطرفة" ونزوح الملايين من أهلها عن ديارهم.

"كابوس المشهد المكرر"
ومع مرور اكثر من ثلاثة أعوام على حسم ملف داعش وإستقرار الوضع الأمني في المناطق المستعادة من قبضة "داعش"؛ يشكل الحديث عن تلك الفترة المظلمة حوارا بغصة لمتداوليه في محافظطة الانبار تحديدا كما تحدث به المهندس هاشم العلواني قائلا : "من السهل إعادة ذاكرة المواطن الانباري الى المشهد الدموي الذي تركه داعش وبطشه بأهلها لكن من الصعب ضماد تلك الجراح ، الحديث عن خروج الانباريين في تظاهرات وإن كانت ذات مطالب وحقوق مشروعة، فنحن نشعر بغصة ومرارة حين نتحدث عن سلسلة تظاهرات سابقة استغلت لدخول الارهابيين وإحداث فجوة بين رجل الأمن والمواطن".
ويسترسل العلواني الحديث عن "تأييده للتظاهرات في العاصمة والمدن الجنوبية مادامت ضمن الإطار السلمي الذي كفله الدستور العراقي".
الصمت الطلابي وحلم تعويض الوقت عند اسوار جامعة الفلوجة ثمة هدوء يشي بتركيز طلبتها الى محاضراتهم وتعويض ما فاتهم من تعليم إنقطع عن هذا الصرح قرابة ٤ أعوام. مؤشر يخمن حجم الخسارة التي فقدها الطلاب خلال النزوح ومساعيهم لإكمال مسيرتهم عبر بوابة المعرفة بعيدا عن الهتاف كما يتحدث أيمن حمد أحد طلبتها لنوا : "محاولة أخذ الطلبة بعيدا عن صوامع المعرفة هو إنقياد الى الجهل، فالنصر يتحقق من خلال الإستزاده في المعرفة والتفوق، وأنا كطالب جامعي أرى نفسي في سباق لتحقيق أعلى الدرجات رغم المعوقات التي واجهتني سابقا وتركي الجامعة لعامين بسبب النزوح والوضع المعيشي الصعب عقب التظاهرات التي مرت بها المحافظة".
ويتحدث رئيس جامعة الفلوجة الاستاذ الدكتور صباح المحمدي عن خلو جامعته من مظاهر الإحتجاج وعدم رغم طلبتها في ذلك؛ بعد جولة عامة أجراها هو داخل اروقة الكليات، قائلا لـنوا : "من المؤكد اننا لسنا بمنأى عن أحداث التظاهرات في بغداد وباقي المحافظات ومن الطبيعي ان تنعكس اصداؤها على باقي المحافظات، لكن طلبتنا إكتووا من إنقياد التظاهرات السابقة الى غير مسارها وإحداث فوضى عامة، ونحن كمؤسسة تعليمية ملتزمون بتوصيات وزارة التعليم العالي باستمرار الدوام وعدم تعطيله، كما اننا إلتمسنا خلال جولات لنا مع الطلبة غياب الرأي المؤيد للخروج في تظاهرات طلابية داخل الجامعة".
"أصوات بلا أصداء"
عدم إلتفات الحكومات السابقة الى تظاهرات الانبار وتلبية طلبات المتظاهرين حينها؛ ولدت فرضية مسبقة لدى اهالي المحافظة بعدم قدرة من في السلطة على إعطاء رأي مسؤول يكون بمستوى اصوات المطالبين ويفهم ما يريدونه بالضبط، رأي تحدث به الصحفي سلام خالد قائلا : "من المؤسف ان يغرد المسؤولون خارج إطار لغة الجماهير المطالبة بالإصلاح، كونها مؤشر خطير يعبر عن وقوف الجانبين على طرفي نقيض!، إذ من غير الممكن السير لبناء الدولة بطريقة الإبتعاد عن الشعب الذي هو أحد أركان وجودها، لذا من الواجب إعطاء صدى حكومي واقعي يليق بمستوى وعود الإصلاح التي قُطعت للمتظاهرين".
"ماذا عن إيقاف الناشطين!"
بعد تخطي ساعة الخامس والعشرين من تظاهرات تشرين الماضي وسقوط عدد من الضحايا، إختارت المجاميع الناشطة في الانبار التغريدات على مواقع التواصل كاسلوب تضامني مع ضحايا الإحتجاجات، وهو ما جعلهم في وجه المدفع القانوني الذي يرصد الكلمات التي لاتتوافق مع الدستور او تلك التي تؤجج الوضع الامني في الانبار، ومن ذلك إيقاف ناشطين وتوجيه تنبيهات لاخرين كما تحدث به خليل الدليمي الناشط في قضايا حقوق الإنسان لنوا : "بطريقة ربما تكون ساذجة تنطلق الكتابات على مواقع التواصل الإجتماعي تترجم على انها تحريض وتدفع الاخرين الى العصيان الذي لم يكفله الدستور العراقي، وهذا ما يغيب عن العديد من الناشطين الذين يندفعون بشكل غير احترازي ويوقعون انفسهم بشراك المضامين الدستورية غير المحسوبة والإنجرار وراء العواطف وهو امر طبيعي للشباب الذي لم تصله اي حقوق من حكومة لم تحسب ليوم غضبه حساب!".
"أولويات الانباريين الأمنية"
وبما ان الامان يمثل اول اوليات الانبار تليها الخدمات وتعويضات المنازل التي دمرتها آلة الحرب، فإن محاولة تعطيل هذه الجوانب يعد خرقا أمنيا لايمكن التهاون معه من قبل الأجهزة الأمنية، خصوصا وان مشاكلا تحت السطح تنتظر من يقلب الطاولة وإعادة المحافظة الى المربع الأول. 
إحتراز تحدث به أحد ضباط وزارة الداخلية والذي فضل عدم ذكر إسمه قائلا "دون اي تظاهرات نرى تألب الساحة الانبارية بين محاولة إستقرار المدن وإعادة النازحين وتوفير الخدمات وبين رصد لعناصر إرهابية تسعى الى العودة بثوب الناقم المُطالب وغياب الحقوق بطريقة تحريضية غير سلمية، لاسيما واننا تمكنا من متابعة عناصر إرهابية ساعدتنا عوائلها على فهم ايدلوجيتها بشكل جديد من شأنه خلط الاوراق وتوجيه بوصلة الامن الى بوصلة الإحتجاجات وتضييع ثمن الدماء التي سالت من اجل ارجاع المحافظة الى حدود الوطن والحفاظ على مرحلة البناء والإستقرار الذي لم يمر في وقت سابق على أبنائها".
اراء اختزلت الطريقة التي تعامل معها الشارع الانباري لتخطي حرج صمته تجاه التظاهرات التي شهدتها بغداد وباقي المحافظات الجنوبية، بحكم التجربة التي لم تحقق اهدافها بشكل يضمن للمتظاهرين حقوقا إنسانية تكفل للمواطن حق الصوت والتعبير عن الرأي سابقا.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group