قراءة في القرار النيابي

المحامي هندرين عثمان خالد

08/01/2020

لا شك في أن الجانب السياسي ومنذ تأسيس مجلس النواب العراقي هو الجانب الأكثر إسحواذاً على واقع العملية التشريعية في العراق وهذا ما أثرَ سلباً على ميدان العمل التشريعي والقانوني في البلاد طيلة فترة السنوات السابقة وفي الدورات البرلمانية المتعاقبة، الا أنه وبعيداً عن الجانب السياسي وإستقراءاً وتحليلاً للجانب القانوني بخصوص صدور (قرار نيابي) في جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ 05/01/2020 والمتعلق بإلزام الحكومة العراقية إلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش وإنهاء تواجد أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية والزام الحكومة العراقية أيضاً على تقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية لدى الامم المتحدة وأيضاً الطلب من الحكومة العراقية بإجراء تحقيقات على أعلى المستويات لمعرفة ملابسات القصف الأمريكي الذي إستهدف فيه (قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني وابو مهدي المهندس وهو من ابرز قادة الحشد الشعبي العراقي).

بالرجوع الى أحكام الدستور العراقي لعام 2005 نجد ان الإختصاصات لمجلس النواب بصفته السلطة التشريعية والمنصوص عليها في المادة (61) منه تنحصر في تشريع القوانين الإتحادية والرقابة على أداء السلطة التنفيذية وإنتخاب رئيس الجمهورية وتنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والإتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء النواب وغيرها من الإختصاصات المحددة في المادة المذكورة أنفاً، ولم نجد لا في أحكام المواد الدستورية ولا حتى في قانون مجلس النواب وتشكيلاته بالرقم (13) لسنة 2018 والنظام الداخلي للمجلس ما يسمح لمجلس النواب صلاحية إستصدار قرارات تشريعية أو نيابية تتمتع بقوة القانون، حيث ان لمجلس النواب وضمن اختصاصاته ان يمارس سن القوانين وفقاً للاجراءات والمراحل الواردة في القانون.

الا أن مجلس النواب وفي اكثر من سابقة وقع في نفس الخطأ عندما أصدر قرارات فيها مخالفة لأحكام الدستور وخرق لمبدأ الفصل بين السلطات وتجاوز على إختصاصات السلطة التنفيذية منها على سبيل المثال صرف منحة مالية للطلبة وشمول الفقراء برواتب شهرية في محاولة تلبية جانب من مطالب المتظاهرين في جلسته الخاصة بمناقشة طلبات المتظاهرين.

في عام 2008 أبرمت الحكومة العراقية اتفاقيتان مع الولايات المتحدة الأمريكية واللتين تمت المصادقة عليهما من قبل مجلس النواب في ذات السنة بموجب قانون التصديق رقم (51) لسنة 2008 الخاص بشأن إنسحاب القوات الأمريكية من العراق وتنظيم أنشطتها خلال وجودها المؤقت فيه، والآخر قانون تصديق إتفاقية الإطار الإستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية رقم (52) لسنة 2008 والصادر من قبل مجلس النواب العراقي.

وان الوجود العسكري الامريكي في العراق كان بطلب من الحكومة العراقية يأتي في أطار تنفيذ إتفاقية الاطار الإستراتيجي بموجب القسم الثالث (التعاون الدفاعي والأمني) من تلك الإتفاقية وهذا من صميم اختصاصات السلطة التنفيذية المتمثلة بمجلس الوزراء ورئيسه بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة.

ان أحكام المواد التي إستند عليها قرار مجلس النواب وهي المواد (59/ثانياً) و(1) و(109) من الدستور ليس لها أية علاقة بمضمون القرار حيث كان على مجلس النواب إستصدار القرار وفقاً لأحكام المادة (61) من الدستور الخاصة بصلاحيات وإختصاصات مجلس النواب وحيث ان إستنادهم الى غيرها من المواد الدستورية يعتبر إلتفافاً من جانب المجلس حول تسنيد القرار، وكما ثبت من قضاء المحكمة الاتحادية العليا أن الدستور لم يمنح مجلس النواب حق إصدار القرارات التي هي من اختصاص السلطة التنفيذية لان دور مجلس النواب في هذا المجال مراقبة أداء السلطة التنفيذية ولا يقوم بمباشرة مهامها أو يحل محلها وذلك عملاً بأحكام المادة (47) من الدستور، عليه ومن الجانب القانوني ان ذلك القرار يعتبر معدوم من حيث الأثر القانوني كونه فاقداً لدستوريته وان الحكومة العراقية غير ملزمة به وبالإمكان الطعن به لدى المحكمة الإتحادية العليا بغية إلغائة للمخالفات الدستورية والقانونية التي إتخذت في الجلسة المذكورة.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group