الجامعات في العالم علامات مجتمعية وعلمية مميزة أحيانا يرتبط بها اسم الدولة أو اسم مسيرة تاريخية وحقبة نهضوية مفصلية، وها نحن اليوم نشهد حضور جامعات بارزة لتقول كلمتها وسط اقوى أزمة عالمية جاءت بها جائحة كورونا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ونرى العلماء يواجهون زعماء العالم ويجعلونهم يتبعون ما يقولون وكيف يتصرفون وليس العكس كما في بلداننا . لا ادري لماذا نرى هناك استسهالاً في تأسيس واطلاق الجامعات في الدول العربية والعراق في مقدمتها. الجامعات أصبحت مادة للتداول بيد رجال اعمال، ربما كانوا لتوّهم قد انتهوا من صفقات تخص الرز والطحين وتسويق المنتجات النفطية ،فالتفتوا الى ميدان الجامعات الاهلية التي بات غالباً رأس المال وتلبية الشرط الضرائبي والالتزامات الحكومية الاهم في مشاريع تكوينها وتأسيسها بغض النظر عن اهدافها الاستراتيجية. الجامعات الحقيقية ليست بنايات متناثرة مستأجرة واطلاق اقسام علمية مشتتة لا رؤية واضحة في اجتماعها ووجودها وتخضع لمعيار واحد هو فائض الكادر التدريسي المتوافر. والجامعات ليست مجالاً لتعيين اليد العاملة – العلمية- الرخيصة وخارج الالتزامات باهضة الثمن، ومن ثم تكون جامعات لتلبية نقص حكومي هنا وهناك أو لمجرد التكسب التجاري في ظل تراخي المنظومة القيمية الحاكمة للدول. حتى انني سمعت تاجراً يطلب من استاذ جامعي ان يقدم له مخطط تأسيس جامعة شرط ان لا يكون فيها مختبرات لأنّ كلفتها عالية . وبعد ذلك وصلنا الى أن نرى كليات انسانية أو أقسام للغات من دون مكتبات ولا مختبرات صوت. مهما يجري الاحتيال على مفاهيم التعليم واساليبه تحت دعاوى تحرر التعليم من مركزية الدولة، في النهاية نكون أمام حقيقة النظر الى اية جامعة اهلية على انها محسوبة على النظام التعليمي في ذلك البلد ،وانّ قياس جودة التعليم في البلد كله سوف تتأثر، لاسيما في المجتمعات العربية . الجامعات ليست فقط رأس مال ومجموعة بنايات ومسميات دراسية كأقسام وكليات، الجامعات رؤية بناء في المجتمع بل رؤية بناء في كيان الدولة، وينبغي أن تخضع لمراقبة غير متأثرة بالحاجات الظرفية وعمليات الاستسهال والتغطية التي أضرت بالتعليم العالي في العراق في العقدين الاخيرين على نحو مخيف .أعرف انّ الكلام طويل ، وهذه بعض مفاتيحه ، لكن نريد أن نصل الى مستوى وجود قائمين على هذا المضمار الحيوي يتصدون بمسؤولية تاريخية لاعادة الاعتبار للتعليم العالي كقيمة مضافة للمجتمع وامكانات الدولة وليس عبئاً مخزياً على الحياة العامة.