تجارب الحوار أو الزيارات أو التفاهمات السابقة بين القوى الحاكمة في بغداد واقليم كردستان كانت في أفضل حالاتها ناقصة وغير ناجحة ووسيلة لترحيل المشاكل وتسكيناً موقتاً للمواجع. معظم ما سمي بالحوارات والزيارات الخاصة، في خلال سبع عشرة سنة، كان على طول الخط محصوراً بنقطتين لا ثالث لهما، الأولى منح الكرد تأييدهم البرلماني والسياسي لعبور تشكيل الحكومات في بغداد، والنقطة الثانية ضمان اقليم كردستان حصته من الموازنة مع انتاجه النفطي الخاص. سوى ذلك كان مجرد هوامش لا قيمة لها في ميزان سياسي بما فيه قضية كركوك أو ما سميت بالمناطق المتنازع عليها، بسبب عدم امكانية حدوث أي تغييرات في الخريطة الداخلية للعراق لأسباب الفيتو الاقليمي والدولي ، وليس المكان هنا لتفصيل هذا الجانب لكن من في بغداد وأربيل يدركون ما أقول جيداً . قبل ساعات سمعت من رئيس اقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني ما يفيد بأنّ زيارته الاخيرة الى بغداد ولقائه بالقيادات السياسية هناك من اجل حلول جذرية للمشكلات القائمة . هذا التصريح اذا شابه مضمونُه عنوانَه هو بيت القصيد في المشروع العراقي الجديد الذي يجب ان يقوم على تفاهمات استراتيجية ،لا بديل عنها سوى التشرذم والضياع بين أنياب دول المنطقة في السنوات العشرين المقبلة كأقصى حد . التفاهمات المصيرية الجديدة ، مقتلها هو النظر القصير الى رواتب وموازنة وحصص وزارية. القضية أكبر ، هي إمّا أن يبقى العراق وحدة وسيادة أو يضيع ، والمؤشرات على ذلك شاخصة في المحيط الاقليمي ، وانّ أية مظلّة دولية لن تغني بغداد أو أربيل عن خيار الوحدة الوطنية والمصير الواحد المشترك بروح الثقة والتوازنات الحقيقية . مخاض السنوات السابقة بين العاصمة والاقليم كان سياسياً متأزماً تحركه غالباً الأهواء والأمزجة الشخصية ربما قبل الحزبية الضيقة ، من دون رؤية عميقة وغير جاد في أغلبه ، وهذا لن يتيح الشراكة المثلى في الوطن الواحد . بل إنّ الحوار العراقي الامريكي الجاري ذاته، لا معنى له من دون أن يسبقه هذا الحوار العراقي الداخلي ليس بين اربيل وبغداد فحسب ، وانّما عبر انفتاح بغداد، أقدم عواصم الارض، لتكون بمستوى احتضان كل العراقيين مهما كانت رؤاهم مختلفة ومتعارضة . وانّ الفشل في الاضطلاع بهذا الدور ،لاسمح الله، يبيح لمن يريد أن يعزف خارج السرب نغمته التي قد تذهب به الى أقصى ما يراه العراقيون الان محظوراً .