الصياد السياسي

حسين الصدر

26/06/2018

- 1 -
الصيادون كثيرون... هناك من يصيد الأسماك ليعتاش من أثمانها...وهناك من يصيد الغزلان ...وهناك من يولع بصيد الدرّاج... وهؤلاء وإنْ تفاوتوا في المهارة فيما بينهم، الاّ أنَّ القاسم المشترك بينهم جميعاً هو أنهم لا يُشكلّون خطراً على البنية الاجتماعية والكيان العام.
- 2 -
وهناك قسم آخر من الصياديّن يتصف بالخطورة المتناهية على المجتمع، وعلى كل الأجهزة والمؤسسات والمرافق العامة فيه..!!
انهم الصيّادون السياسيون، الذين يصطادون الناس بالشعارات البرّاقة، والوعود المعسولة، حتى إذا ما تربعوا على دست السلطة، تبّخرت كل تلك الشعارات، وأصبحتْ من الماضي دون أنْ تلوح تباشير التنفيذ...
- 3 -
المثال التاريخي 
أورد الزمخشري في ربيع الأبرار ج4 ص234 حواراً ساخناً مهماً بين المنصور العباسي الملقب (بأبي الدوانيق) وبَيْنَ رجلٍ لم يسمّه ، توّجه بالسؤال الى المنصور قائلاً:
" أين ما كنتَ تحدّث به في أيام بني أميّة: إنّ الخلافة إذا لم تُقابل بانصاف المظلومين من الظالمين، وإنْ لم تعارض بالعدل في الرعيّة، وقسم ألغي بالسوية، كان عاقبة أمرها بواراً، وحاق بولاتها سوء العذاب؟!
وواضح من هذا السؤال، انّ ما كان يطرحه المنصور من شاعرات أيام بني أميّة للتحريض ضدّهم، لم يكن الاّ بقصد اصطياد الأنصار ليس الاّ .
فماذا كان الجواب؟
يقول الخبر: " فتنفس ثم قال : قد كان ما تقول ، ولكنّا استعجلنا ما في الفانية على ما في الباقية.."
إنه إذن الاعتراف الخطير بانهم حين تربعوا على الدست تفرّغوا للملذات والشهوات الدنيوية، ولتكديس الأموال والثروات، ومارسوا من المظالم والآثام ماشاء لهم الهوى، بعيداً عن حسابات العدل والانصاف، وبعيداً عن مراعاة القيم والموازين، وكانت المحصلة النهائية هي استئثارهم بكل الخيرات والموارد، وترك المواطنين محرومين مقهورين يعانون من نيران الفاقة والخذلان.
- 4 -
ومن الماضي البعيد الى (العراق الجديد) الذي شهد من شعارات سياسيّْ الصدفة، وتلاعبهم بالثروة الوطنية والمال العام، ما لم يشهده عبر تاريخنا الطويل، بل مالم يشهده بلدٌ من بلدان المعمورة على الاطلاق.
- 5 -
وبالمال السياسي واصل المحترفون السياسيون – وهُمُ أهلُ خبرةٍ ودراية بالاصطياد – شراءَ الذمم والضمائر، لتكرر المأساة دورة بعد دورة ، والله المستعان ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم.
- 6 -
إنّ الفتاوى بحرمة شراء الأصوات الانتخابية وبيعها، لم يُعرها سمعاً أولئك المتلهفون للحصول على المال من أي طريق كان..
- 7 -
انّ النضج السياسي، والوعي الوطني هما الكفيلان بإحباط مشاريع الاصطياد السياسي للمواطنين السُذّج....
والتثقيف بهذا الاتجاه هو مهمة العلماء، ورجال الفكر، وكل الاكاديميين والمثقفين الوطنيين المخلصين، وليس حكراً على طبقة خاصة من الناس.
- 8 -
وعلينا أن نعترف بأنَّ النقلة الى تلك الأجواء، بحاجة الى جهود مضنية، وبحاجة الى وقت ليس بالقصير، حيث لا يتوقع أنّ تتم النقلة بين عشية وضحاها – كما يقولون- وعلينا مواصلة العمل بهذا الاتجاه حتى الَنَفس الاخير دون كلل ولا ملل..

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group