الفردي والجمعي !

د.علي شمخي

28/07/2018

افرزت حقبة التغيير في العراق والانتقال من النظام الشمولي الى النظام التعددي ثقافات متناقضة ومرتبكة لم تتسق جميعها او تنصهر مع الفعاليات التي نظمتها جمعيات ومؤسسات كانت تعنى بتثبيت اسس الديمقراطية واستهدفت في نشاطاتها تعميق روح التغيير في العراق والدفاع عن الحريات العامة واشاعة ثقافة الرأي والرأي الاخر وخلافا لدول اخرى اجتمعت عناوين الافراد في مجتمعاتها على كلمة سواء واجتهدت في اختصار الجهد والزمن من اجل ان تكون مواقفها تحت عنوان جمعي وبارادة شعبية ونجحت في صنع اطار واحد لحراكها الجماهيري ونجحت ايضا في ازالة الحواجز والفوارق التي كانت تعوق تحركاتها او تسهم في اجتزاء خطابها وافتراق اهدافها ولربما كانت ثورات التغيير في اوروبا الشرقية مثالا قريبا وحيا لمثل هذا الحراك الذي صنع عهدا جديدا لشعوب عانت على مدى عقود من الزمن من الهيمنة الشمولية والحكم الديكتاتوري وتبعيتها لقطب واحد هو الاتحاد السوفيتي السابق والمتتبع لاحداث التغيير في هذه البلدان سيجد ان الشعور الجمعي كان طاغيا على مظاهر الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات التي كانت تجتاح المانيا الشرقية ورومانيا وهنغاريا وبولندا وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا ودول اخرى امنت بان مستقبلها مرهون بالاستجابة لتطلعات جيل جديد وعى وادرك المعاني الحقيقية للحرية من دون خوف ومن دون الالتفات لمخاطر الوصول الى هذه الحرية وفي العالم العربي ثمة مثال قريب لهذه الارادة الجمعية تتمثل بما حققه المصريون في غضون عام واحد عندما تداركوا سريعا انحراف النظام السياسي في بلادهم ونزوع السلطة فيه نحو الهيمنة والتطرف واختطاف النتائج التي تمخضت عنها الثورة الشعبية المصرية الاولى ضد نظام حسني مبارك وتوظيفها لصالح تنظيم واحد جاءت به صناديق الاقتراع في غفلة من الزمن وسط انقسام اجتماعي وفي ظروف استثنائية الا ان الارادة الشعبية عادت مرة اخرى وصححت المسار بحراك جمعي لم يستثن عنوانا مصريا تداعى فيه بائع الفول والمقاول ومشايخ الدين وبائعات الهوى والشعراء والفنانون والسياسيون والرياضيون ليعلنوا بمشهد واحد عن مطلب واحد هو رحيل من لايمثلهم ومن تسبب بخذلانهم ..اليوم يعاني العراق من التعثر والارتباك في تحقيق التغيير المنشود واصلاح المسار ووضع نهاية للخراب والتهميش والفساد والانحراف واذا اردنا البحث عن الاسباب الرئيسة لهذا التعثر ولهذه المعاناة سنجد ان ابرزها يتمثل بغياب الشعور الجمعي والارادة الجمعية في الوصول الى الاصلاح واصرار الكثير من العناوين في بنية المجتمع العراقي على النأي عن المشاركة في مسيرات الاحتجاج والرفض وتخليها من دون مرؤة عن اقرانها من طبقات الفقراء والمهمشين والكادحين وفي طليعتهم ملايين الشباب الذين خرجوا بعفوية مخيرين لا مسيرين ولا مسيسين ولا متحزبين ينشدون الحياة الكريمة ويطالبون بابسط الحقوق ويعلنون بصوت واضح بان عهدا جديدا في العراق لابد ان ينطلق بانطلاق تظاهراتهم.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group