دعوات اقامة اقاليم جديدة في العراق (بين الحق الدستوري والواقع)

د. سعدي الابراهيم

08/01/2019

عادت في الآونة الاخيرة الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك لإقامة اقاليم جديدة في العراق تضاف الى اقليم كردستان. ولا يوجد احد في داخل العراق ولا حتى في خارجه يستطيع ان يقول بأن اقامة الاقاليم هي تجاوز للدستور او للقانون، والسبب في ذلك وبكل بساطة هو ان دستور العراق الدائم لعام 2005، هو الذي اقر بأن العراق دولة فيدرالية واعترف بإقليم كردستان الذي تشكل عام 1992 كأمر واقع، وفتح الباب واسعا امام اقامة اقاليم جديدة في العراق.

ولكن اذا ما رجعنا الى الاساس الذي تقدس من اجله الدساتير في كل دول العالم، فأننا سنجد بأنها تقدس وتحترم على اساس حمايتها لمصلحة الشعب، اي انها اذا ما اصبحت تضر بمصلحة الشعب فيجوز تجاوزها. او تأجيل الاخذ بنصوصها حتى تكون منسجمة مع الواقع.

وهكذا فعندما يقول العقلاء في العراق بأن الوقوف بوجه تشكيل اقاليم جديدة في العراق هو غير مخالف للدستور، فهذا هو ليس كلام عاطفي او غير قانوني، بل على العكس من ذلك هو كلام ينسجم وروح الدساتير التي تقول بأنها وضعت لمصلحة الشعب، ومتى ما وجد الشعب بأن الدستور يضر بمصلحته جازت عملية تأجيل الاخذ بنصوصه .

امام عن الاسباب التي تجعل من تشكيل اقاليم جديدة مضر لمصلحة الشعب، فذلك يرجع الى ان اقامة اقاليم اخرى في الوقت الذي لا زالت فيه البلاد تعاني من وجود مشاكل وأزمات كبيرة: أمنية، اقتصادية، سياسية. وتدخل خارجي سلبي. وهذه الازمات تحتاج الى رص الصفوف والى ترتيب المشاكل حسب اولوياتها، والتضحية ببعض المطالب التي تنادي بها هذه المحافظة او تلك الى حين ان يستقر البلد وتصل النخبة السياسية فيه والشعب الى درجة عالية من النضج، وعندها يمكن مناقشة امكانية تشكيل اقليم في البصرة او في اي محافظة اخرى. اما الاستعجال في تشكيل أي اقليم جديد فأنه سيساهم في فتح ازمة جديدة لا توجد لها تهيئة نفسية ولا حتى موضوعية.

 لكن القول بتاجيل تشكيل الاقاليم او التخلي عن هذه الفكرة نهائيا، يتطلب من الحكومة ان تجد بديل عنها، مثل ان تقوم بتوسيع صلاحيات كل محافظة لتكون مقاربة او حتى مساوية لصلاحيات الاقليم؟، او الانتظار لفترة من الزمن لحين حصول استقرار في البلاد ومن ثم طرح الموضوع من جديد؟، وتجنيب البلاد مخاطر التشرذم والتقسيم التي تلوح في الافق.

اذن، بالرغم من ان الفيدرالية هي حق دستوري، الا ان الواقع غير مناسب لتطبيقها على الاقل في الوقت الحاضر.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group