متفائلٌ.. والعكس صحيح

عبد المنعم الاعسم

13/01/2019

في مطلع هذا العام، كما في مطلع كل عام، يسألنا الكثيرون عما اذا نحن متفائلون حيال المستقبل.. مستقبل العراق طبعا.. فينزل علينا السؤال منزلة سطل ماء على نائم، ويستعيذ غالبنا بالشيطان الرجيم خشية ان يقع في غواية الجواب القاطع فيما الاحداث والمقدمات ما زالت قيد المخاض بين التفاؤل والتشاؤم.
فاذا كان التشاؤم، بحسب التعريف المدرسي، هو التعبير الغريزي عن القلق حيال المستقبل، وعدم الثقة بوعود «الحكومات»حول الامن والاستقرار والرخاء، فنحن متشائمون الى ابعد الحدود، حين لا نجد مشروعا ، تطبيقيا، يختصر حاضرنا الذي يتعثر بالعلل والنزوات والنذالات، فيما نتابع بالصوت والصورة تلك العلل والعثرات شاخصة في الحياة اليومية وعلى الشاشات الملونة، وندفع عن وجودنا احياء ثمنا باهضا، ولا يخفف من ضغط هذا الشعور المتشائم ما تحقق من نجاحات على ساحة المواجهة مع الارهاب وما نعيشه من هوامش تدخل في تعريفات الممارسة الديمقراطية.
والآن إذ استسلمنا الى «تشخيص» التشاؤم» الذي ياخذنا الى الخوف على بلادنا ومصائرنا فاننا نقاوم الاستسلام الى الانهيار والتحول الى شحاذين على ابواب الامم وذلك بغريزة الامل التي تسمح احيانا المراهنة على خيوط ضوء في هذه الدوامة.
مقابل ذلك فان الغبار الخانق، المسموم، التخريبي الذي حمله مشروع «داعش» الاجرامي الى حياتنا انتهى الى خلق نقيضه: خصومة مجتمعية مع الارهاب، تتبلور على شكل»امل» ينشق من افئدة الملايين ويتدفق، وإن بمكابدة، في تعاطٍ بليغ مع الحياة اليومية، وتحدٍ ( انفعالي احيانا) للمخاطر الامنية، وحرصٍ على اشاعة الاسترخاء في نقاط تماس كانت مرشحة للتوتر، ويعطينا هذا الشعور المتفائل أملا (غريزي هو الاخر) في عبور «المحنة» إذ نتابع تجلياته في تفاعل الجمهور الواسع مع مناسبة استقبال العام الجديد، وتحدي الممنوعات، والعبور من فوق التقسيمات الدينية والاثنية.
نسمات التفاؤل هذه، قد تكون ممارسة شعورية فارّة من احتباس شديد في الحياة جراء الدوامة التي قذف بها الساسة وسلطتهم التشريعية البلاد في دوامة مخيفة، أو هي رجاء يائس مكبوت ناتج عن مكابدات العيش وازمات الخدمات وعواصف الصراعات السياسية والطائفية، وربما لا تعدو عن كونها امنية مجانية تلقى على قارعة الطريق، أو جرعة من التهدئة الخادعة يداري الناس بها دوامة الاخطار وليالي الرعب والجثث والموت، وغارات الكوابيس والضغوط.
ان التفاؤل، في كل الاحوال، غير قابل للتوظيف سياسيا، وليس هو منّة من جهة او من تكية، كما انه ليس معادلة رياضية تنطلق من افتراض استُهلك كثيرا عن «صحوة الضمائر» انه الامل أو «ثورة الامل» كما يقول «اريك فروم» ويشاء «الدوس هاكسلي» ان يجعل في كتابه (افضل العوالم) من الامل قوة سحرية لصناعة التغيير.
التفاؤل الذي نتحدث عنه كمخاضات انسانية على سطح المشهد الاجتماعي-السياسي الجديد مصدره المباشر بُقيا مراهنة على طريقة عقلانية ومنضبطة تدار بها شؤون الدولة لمنعها من الانهيار خلافا لمنهج اثارة الخصومات المجتمعية واضعاف القوى وإبقاء المشهد في حالة تجييش، وانه من زاوية معينة احساس نبيل وسري باهمية مشروع الحياة الذي تتشبث به الملايين ورفض الاستسلام للتهديد والفساد والتمييز والتجويع ، ومواجهة سلمية وانسانية لسطوة العنف ومؤسساته.
هذا على الرغم من اننا فقدنا موهبة صناعة التفاؤل منذ زمن طويل.
ايرين بيتر :
«مجرد كون كل شيء مختلف لا يعني أن شيئاً قد تغيّر».
المصدر// جريدة الصباح الجديد

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group