اضرب مثلاً عربياً قريباً، حيث الكويت تستقطع من موازنتهاالسنوية العامة ، مهما كانت ظروفها، ما مقداره عشرة بالمائة تودع في صندوقها السيادي الاستثماري، صندوق المال للاجيال المقبلة، ربما ليوم لايكون فيه نفط متاح ولا غاز مُستخرج . وكذلك تفعل دولة قطر وقبلها السعودية والامارات . وحين تحتاج تلك الدول مالاً فإنّها تقترض من نفسها ، عبر سحب من أموال تلك الصناديق السيادية ، وذلك يحدث نادراً، وفي سنوات الازمات فقط . العراق أعلن عن المصادقة على الموازنة المالية الجديدة وبلغت رقماً لم تبلغه موازنة سابقة في التاريخ منذ قيام الدولة العراقية . أولى علامات الموازنة وجود عجز بمقدار يفوق ثلاثة وعشرين مليار دولار . وبلغت مخصصات رواتب الموظفين والمتقاعدين والضمان الاجتماعي 52 مليار دولار من الموازنة البالغة 111,8 مليار دولار، في زيادة تقدر ب 15 بالمئة عن العام الماضي. تقول بيانات الموازنة أنّ هناك أكثر من سبعة وعشرين مليار دولار مخصصة للاستثمار. الموازنة لا تتحدث عن اعمار البلد المدمرة بعض مدنه بالكامل كما في الموصل . كما لايوجد حديث عن نتائج المؤتمرات الدولية التي عقدت في السنتين الاخيرتين عن اعمار العراق. الموازنة العراقية في طابعها العام كما في كل الاعوام الاخيرة ، استهلاكية ، تسهم في تبديد ثروات العراق ، لاأفق انتاجي لها ، ولا أي تفكير بمسقبل الاجيال ، بل إنها لا تلبي حاجات التنمية لنهوض المجتمع الان وليس بعد انقضاء الجيل . الضجيج الذي يصاحب اعلان الموازنة في اجواء من المساومات السياسية يوحي بأن الاقتصاديات العراقية تشبه حسابات البقّال الذي يصرف دخله اليومي ولا يعرف ماذا سيحدث مع بائع الجملة غداً.
المصدر// جريدة الزمان الدولية