سأدخلُ شارعَ السعدون البغداديّ الليلةَ من باب مرجان والبتاويين . على مبعدة شمرة عصا ، سأُمسّدُ عتبة دكان أبي " ألبان وزبادي فوزي " سأتعشى بمطعم تاجران ، وأشرب الشاي من قوري شُكُر الكردي . سأصافح شنيار القصير المزروع وبسطتَهُ بباب جامع الأورفلي . سأعسّل فمي بكاهي السيد أبو كشيدة . سأُيمّم خلقتي صوب سينما السندباد ، وأنصتُ تالفاً متضعضعاً الى « جرص « بداية أجاجا شامي كابور . سأستعيد ضجيج مطارق الحديد ، وهي تدقُّ أولى شيلمانات نفق ساحة التحرير . سأقرأ حروفاً بيضاً شديدة الوضوح ترسم اسم البنّاء سامي علوان العاني . سأغوص بزقاق مطعم تاجران الأول فأجد النادل عباس الأقرع وصديقه النادل السمين عبد الرزاق ، بلباسهما الاستطعامي الرسمي الأبيض واحيانا الأزرق ، وقبعتين منفوختين ترقصان فوق الرأس ، حتى وهما يحتسيان الشاي من وجاغ الجايجي حربي . في خاصرة يسار الزقاق سأرى مدرسة مسائية وأتذكر أخي جعفر والشاعر ماجد الخطيب . مقابل المدرسة سيكون باب بيت سيد عباس العالي ونسيبه فوزي ، الذي أستأجر أبي منه دكان اللبن ، وهو مساحة صغيرة جداً على شكل قوس فرفوري ومرمر يتفرج على الزقاق الطويل الذي أوله برقبة شارع السعدون البديع المدهش ، وآخره بمفتتح شارع النضال الذي يسقي ساحة الأندلس بالناس وبالسيارات . سأقفز قفزة عشوائية وأقف عند يمين سينما السندباد وأتذكر مكتبة الطريق الشيوعية ، وبصفها دكان فواكه لا أدري إن كان اسمه دكان بيت كنَّو أم تسمية أُخرى . سأواصل القفز المجنون لأصل الى سينما سميراميس التي ليس لها اطلالة على شارع السعدون الكبير ، بل لها بوابتان تطلان على الزقاقين المؤديين الى شارع أبي نواس ، يربط بينهما زقاق ضيق فيه مجموعة من الدكاكين التي تبيع المأكولات السريعة التي أشهرها الهمبركر ومقهى صغيرة جداً للشاي . في شارع السينما الأول وأنت قادم من الباب الشرقي ، سأحدثك عن مطعم صغير استأجره أخي جبار ، وعمل فيه طفرة اعلانية هائلة ، عندما استعان برسام رسم على جدار المطعم الداخلي ، رجلاً ضخماً بعضلات مفتولة تشبه تلك التي يملكها لاعبو عدنان القيسي ، وقربه يقف رجل ضئيل هزيل ، يسأله عن سرّ ومكان تربية تلك العضلات الهائلة ، فيجيبه العملاق القوي بأن جسمه قد نما بهذه الصورة العظيمة ، لأنه يأكل من مطعم فلافل وكبة جبار !!