ماعون الذكريات الطيبة

علي السوداني

26/02/2019

سأدخلُ‭ ‬شارعَ‭ ‬السعدون‭ ‬البغداديّ‭ ‬الليلةَ‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬مرجان‭ ‬والبتاويين‭ . ‬على‭ ‬مبعدة‭ ‬شمرة‭ ‬عصا‭ ‬،‭ ‬سأُمسّدُ‭ ‬عتبة‭ ‬دكان‭ ‬أبي‭ ‬‮"‬‭ ‬ألبان‭ ‬وزبادي‭ ‬فوزي‭ ‬‮"
سأتعشى‭ ‬بمطعم‭ ‬تاجران‭ ‬،‭ ‬وأشرب‭ ‬الشاي‭ ‬من‭ ‬قوري‭ ‬شُكُر‭ ‬الكردي‭ . ‬سأصافح‭ ‬شنيار‭ ‬القصير‭ ‬المزروع‭ ‬وبسطتَهُ‭ ‬بباب‭ ‬جامع‭ ‬الأورفلي‭ . ‬سأعسّل‭ ‬فمي‭ ‬بكاهي‭ ‬السيد‭ ‬أبو‭ ‬كشيدة‭ . ‬سأُيمّم‭ ‬خلقتي‭ ‬صوب‭ ‬سينما‭ ‬السندباد‭ ‬،‭ ‬وأنصتُ‭ ‬تالفاً‭ ‬متضعضعاً‭ ‬الى‭ ‬‮«‬‭ ‬جرص‭ ‬‮«‬‭ ‬بداية‭ ‬أجاجا‭ ‬شامي‭ ‬كابور‭ . ‬سأستعيد‭ ‬ضجيج‭ ‬مطارق‭ ‬الحديد‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬تدقُّ‭ ‬أولى‭ ‬شيلمانات‭ ‬نفق‭ ‬ساحة‭ ‬التحرير‭ .‬
سأقرأ‭ ‬حروفاً‭ ‬بيضاً‭ ‬شديدة‭ ‬الوضوح‭ ‬ترسم‭ ‬اسم‭ ‬البنّاء‭ ‬سامي‭ ‬علوان‭ ‬العاني‭ . ‬سأغوص‭ ‬بزقاق‭ ‬مطعم‭ ‬تاجران‭ ‬الأول‭ ‬فأجد‭ ‬النادل‭ ‬عباس‭ ‬الأقرع‭ ‬وصديقه‭ ‬النادل‭ ‬السمين‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬،‭ ‬بلباسهما‭ ‬الاستطعامي‭ ‬الرسمي‭ ‬الأبيض‭ ‬واحيانا‭ ‬الأزرق‭ ‬،‭ ‬وقبعتين‭ ‬منفوختين‭ ‬ترقصان‭ ‬فوق‭ ‬الرأس‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬وهما‭ ‬يحتسيان‭ ‬الشاي‭ ‬من‭ ‬وجاغ‭ ‬الجايجي‭ ‬حربي‭ . ‬في‭ ‬خاصرة‭ ‬يسار‭ ‬الزقاق‭ ‬سأرى‭ ‬مدرسة‭ ‬مسائية‭ ‬وأتذكر‭ ‬أخي‭ ‬جعفر‭ ‬والشاعر‭ ‬ماجد‭ ‬الخطيب‭ . ‬مقابل‭ ‬المدرسة‭ ‬سيكون‭ ‬باب‭ ‬بيت‭ ‬سيد‭ ‬عباس‭ ‬العالي‭ ‬ونسيبه‭ ‬فوزي‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬أستأجر‭ ‬أبي‭ ‬منه‭ ‬دكان‭ ‬اللبن‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬مساحة‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قوس‭ ‬فرفوري‭ ‬ومرمر‭ ‬يتفرج‭ ‬على‭ ‬الزقاق‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬أوله‭ ‬برقبة‭ ‬شارع‭ ‬السعدون‭ ‬البديع‭ ‬المدهش‭ ‬،‭ ‬وآخره‭ ‬بمفتتح‭ ‬شارع‭ ‬النضال‭ ‬الذي‭ ‬يسقي‭ ‬ساحة‭ ‬الأندلس‭ ‬بالناس‭ ‬وبالسيارات‭ .‬
سأقفز‭ ‬قفزة‭ ‬عشوائية‭ ‬وأقف‭ ‬عند‭ ‬يمين‭ ‬سينما‭ ‬السندباد‭ ‬وأتذكر‭ ‬مكتبة‭ ‬الطريق‭ ‬الشيوعية‭ ‬،‭ ‬وبصفها‭ ‬دكان‭ ‬فواكه‭ ‬لا‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬اسمه‭ ‬دكان‭ ‬بيت‭ ‬كنَّو‭ ‬أم‭ ‬تسمية‭ ‬أُخرى‭ . ‬سأواصل‭ ‬القفز‭ ‬المجنون‭ ‬لأصل‭ ‬الى‭ ‬سينما‭ ‬سميراميس‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬اطلالة‭ ‬على‭ ‬شارع‭ ‬السعدون‭ ‬الكبير‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬لها‭ ‬بوابتان‭ ‬تطلان‭ ‬على‭ ‬الزقاقين‭ ‬المؤديين‭ ‬الى‭ ‬شارع‭ ‬أبي‭ ‬نواس‭ ‬،‭ ‬يربط‭ ‬بينهما‭ ‬زقاق‭ ‬ضيق‭ ‬فيه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدكاكين‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬المأكولات‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬أشهرها‭ ‬الهمبركر‭ ‬ومقهى‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬للشاي‭ .‬
في‭ ‬شارع‭ ‬السينما‭ ‬الأول‭ ‬وأنت‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬الباب‭ ‬الشرقي‭ ‬،‭ ‬سأحدثك‭ ‬عن‭ ‬مطعم‭ ‬صغير‭ ‬استأجره‭ ‬أخي‭ ‬جبار‭ ‬،‭ ‬وعمل‭ ‬فيه‭ ‬طفرة‭ ‬اعلانية‭ ‬هائلة‭ ‬،‭ ‬عندما‭ ‬استعان‭ ‬برسام‭ ‬رسم‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬المطعم‭ ‬الداخلي‭ ‬،‭ ‬رجلاً‭ ‬ضخماً‭ ‬بعضلات‭ ‬مفتولة‭ ‬تشبه‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬لاعبو‭ ‬عدنان‭ ‬القيسي‭ ‬،‭ ‬وقربه‭ ‬يقف‭ ‬رجل‭ ‬ضئيل‭ ‬هزيل‭ ‬،‭ ‬يسأله‭ ‬عن‭ ‬سرّ‭ ‬ومكان‭ ‬تربية‭ ‬تلك‭ ‬العضلات‭ ‬الهائلة‭ ‬،‭ ‬فيجيبه‭ ‬العملاق‭ ‬القوي‭ ‬بأن‭ ‬جسمه‭ ‬قد‭ ‬نما‭ ‬بهذه‭ ‬الصورة‭ ‬العظيمة‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬مطعم‭ ‬فلافل‭ ‬وكبة‭ ‬جبار‭ !!‬

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group