لا أعرف حتى اللحظةَ ، السببَ الحصينَ الذي جعلني أُواصلُ مشاهدة هذا الفلم المملّ.
كان الأداء بطيئاً رتيباً يتحرك مثل ناعورٍ نائم على جرف المساء .
بطل الفلم المطلق سمينٌ ، ظلّ يكرع أقداح الويسكي ويلتهم سندويجات الهمبركر والنقانق المشوية المطلية بصاص القرية ، منذ اللقطة الأولى للشريط حتى ثانيةَ عضَّ لسانه ومات فوق كرسيه النابت ، قبل انطفاء القصة بربع دقيقة.
صاحبُ الحانةِ يشبه صديقي معاذ الآلوسي ، وهذا سببٌ عظيمٌ لمواصلة السهرة . ساقية الزبائن الرثّين ، كان وجهها مسحولاً من امرأة عمانوئيل ماكرون ، وجسدها الضخم من جسد سَحَر الطويلة الرائعة ، التي بصمتُ عينيّ فوق مؤخرتها نصف مليون مرة ، وهي تمنح ظهرها لعربتي المزروعة بباب سينما بابل ببغداد البديعة ، قبل أربعين سنةً وسلّة أعياد .
ليلةَ مات بطل الفلم ، لم أخسر فوق موتهِ مثقال دمعة ، ليس لأنه سمين يقوم رأسُه على بقايا رقبةٍ ملوية مثل عجلة ماطور خالي هاشم العظيم ، بل لأنه كان يصنع على مدى الشريط ، حركةً منفّرةً بمقدوري الآن إضافتها إلى دفتر المناظر التي قصّرت عمري وشيّبت قلبي ، وجعلتْ كبدي يمارس وظيفته ، كما لو أنه زائدة دودية حزينة .
الحقُّ هو أنّ فلم السهارى هذا ، كان مزدحماً بالكثير من مشاهد الإرهاب والقتل البطيء ، منها صوت تكتكة ساعة الحائط ، وناقوط الحنفية اللعينة الذي كان يضرب مجلى الصحون ، فيستقبله رأسي الحار ، كأنه أغنيةٌ حقيرةٌ تأكلُ مفتتح الصباح .
تابعتُ الملهاة بمشاعرَ ملتبسة لجنديٍّ باسلٍ ، في شاجور بندقيته طلقةٌ واحدةٌ ، وعلى سور أكياس الرمل المثقّبة ، عشيرةٌ من غزاةٍ أوغاد ، حتى انزرعتُ لصقَ مائدةٍ مرميةٍ قرب مرحاض الحانة التالفة ، تتثاءب على خوائها امرأةٌ ثقيلةٌ ، رسمَتْ الأيامُ المسخّمات فوق لحمها الطريِّ ، خريطةَ بهاقٍ كبرى ، فبدتْ كما فطيسة طامسةٍ ببالوعة خراء .
كرهتُ الشرطيَّ الأملطَ الذي دهمَ المكانَ صحبةَ كلبٍ جبانٍ ، لسانُهُ أطول من دبان قندرة باتا الرائعة ، وذيلُهُ بقايا عصعوصٍ يَشي بملحمةٍ خاسرة .
غداً سأُتممُ الحكايةَ . لقد أنهكَني عياطُ الديكِ الغبيّ .