رمضان جلال الحنفي .. أحلى

زيد الحلي

12/05/2019

منذ ايام، نعيش لحظات الشهر الفضيل.. شهر رمضان المبارك، ورغم كل المساعي في اعلامنا وصحفنا، وتلفزيونات الوطن العربي والاسلامي، في اعطاء صورة عن رمضان الماضي بعين الحاضر، غير ان طعم الايام الرمضانية في السنين الخوالي، كانت عندي احلى واجمل بصورها وطبيعتها وسحرها.. حيث كان الشيخ جلال الحنفي ابرز من يضفي لرمضان عبقا بغداديا لا يضاهى.. واحسُ ان رمضان دون الحنفي، ملعقة سكر "دايت" في قدح شاي لا غير.. لن انسى يوما، جولة رمضانية  في بغداد، صحبني فيها الكبير الحنفي، في احدى سنوات ما بعد 2003 كانت جولة لا يكفيها كتاب، وقد توسطني عنده لتنفيذ رغبتي في هذه الجولة الرمضانية، نجله العزيز المصمم الصحفي عقيل الحنفي الذي كان يعمل في صحيفة "بغداد" التي كنتُ رئيسا لتحريرها…. ظل الحنفي يمشي، في ازقة بغداد القديمة، في الكرخ والرصافة، تساعدنا في بعضها مركبتنا الخاصة، حتى أحس بالتعب، فتوقف عند جامع الخلفاء الذي خدم فيه سبعة عقود. وقف والحيرة تملؤه.. بين ماضِ ولّى، وحاضر ترسمه أطلال المكان ووجوه جديدة تشبه الزيف والزقوم وأشباح الزنازن، أما الذين عرفهم بالأمس فلم يبق لهم أثر، منهم من استشهد، ومنهم من قتل ومنهم من سافر ومنهم من هاجر ومنهم من تبدل وتغيّر، لقد وجد نفسه غريباً في رمضان بغداد آنذاك..! خلال تلك الجولة التي لازالت مترسخة عندي، وجدتُ ان الحنفي، يعرف كل ما يخص بغداد، وعندما أقول (كل) فأنني أعني الكلمة، وأعرف مدلولها اللغوي، إذ لم أساله شيئاً يخص بغداد او ظرف مر بها منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى سنة جولتنا، إلاّ وأجابني عنه بشيء من التفصيل الوافي، هو لم يعترف بالزمن، ويعده حالة من واقع الحال ولا ينبغي التعامل معه بالخوف منه، وكثيراً ما كان يردد بصوته المعروف أتركوا (الزمن) خلفكم وإذا لم تفعلوا ذلك فسيسبقكم ويلف حباله حول رقابكم..! تراثُ أي مدينة هو تاريخها وكيانها، ومدينة بلا ماض، مدينة بلا حاضر، وبلا مستقبل، والحِفاظُ على التراث وعلى التاريخ هو الحِفاظ على الكيان والهوية، على الخصوصية البغدادية التي منحتنا وجودنا بوصفنا ابناءها، هو الحفاظ على السبيل الذي يضمن استمرارنا ونهضتنا مِن غفوتنا، ويعد التراث الفكريّ هو المهد الاول لتفكير الانسان، وأيّ انفكاك بين المرء ومدينته التي احب، أو بين المرء وتراثه، يخلق منه إمرءاً تتجاذبه أطرافُ الضياع، وفقدان النفس، وضياع النفس مدعاةٌ إلى التفكك والتخلخل، والشعورِ بالبؤس والمذلة اللتين لا تطيب معهما الحياة.. وهكذا هي رؤية جلال الحنفي، البغدادي الاصيل، الذي احب وعشق تراث بغداد، لاسيما ايام رمضان التي هي قمة تراثها.. الرحمة والمغفرة، الى عاشق بغداد ولياليها الشيخ جلال الحنفي، الذي خدم وطنه وشعبه، على مدى عقود في حياته التي امتدت 92 سنة.. انتهت برحيله يوم الأحد الخامس من آذار (مارس) 2006..
عذرا رمضان، بوجود الحنفي كنت احلى !
[email protected]

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group