دائما تبدأ الحكومات أيامها الأولى بشعارات الخدمة العامة للناس ، ثم تتبدّل الصورة ، ويتحوّل الناس الى أوساط مشبوهة وقليلة الثقة ومحل شك.
كيف يكون ذلك ؟، ومَن يدفع في هذا الاتجاه؟
لاتزال العقليات السياسية في بلدان العرب ، تعتقد أنّ النقد واشهار الرأي المخالف في الرؤية لمنهج عام في المجتمع هو نوع من أعمال الشروع بالتخطيط لقلب نظام الحكم أو التمهيد لتنظيم سرّي . لذلك الانظمة العربية لا تسهم في تطوير الحياة بسبب واحدية هذا المسار الذي يعني الخروج عليه تمرداً أو بحثاً عن السلطة .
في تجارب العالم المتقدم ، هناك أولويات كثيرة تتقدّم على السياسة والسياسيين، فالمجتمعات هناك تخضع لقوى تأثير واضحة من سلطة القضاء وسائل الاعلام الكبيرة والجمعيات المدنية والخيرية وادارات البنوك والشركات الخاصة ومراكز البحث العلمي والابتكارات والتخطيط. لأنّ هؤلاء جميعاً يخدمون كلّ أنواع السلطات السياسية، ولا يوقفون عجلة الزمن عند حزب كبير أو حزب صغير .
هذا الشيء لا تنجح في بلداننا بسبب عدم استقلالية الكيانات الخاصة حتى لو حملت مسميات خاصة ومنفصلة عن الدولة.
العمل المصرفي لاتلاحقه أغراض سياسية أو أمنية وكذلك الجامعات ومراكز البحوث أو البنوك فضلاً عن السلطة الكبرى للقضاء المستقل بمعنى الكلمة .
الآن عندما نسمع مسؤولا في بلد عربي يتحدث عن خدمة الناس وبناء الدولة ، لايمكن النظر الى كلامه خارج هذه الموازين في الاستقلالية فإذا وافق كلامه وفعله معناها ومبناها ، كان رجل الخدمة العامّة بحق ، وخلاف ذلك يكون رجل الخدمات الخاصة لنفسه ولمن يقف وراءه .