استعادة الاعتدال!

د.علي شمخي

08/08/2019

يحفل المجتمع العراقي بمجموعة من المتغيرات الاجتماعية وهذه المتغيرات هي انعكاس للأحداث السياسية التي مر بها العراق طوال العقود الماضية وقد ذكر الكثير من المؤرخين تفاصيل المحطات التاريخية التي عصفت فيها الاحداث الداخلية والخارجية بالاستقرار والامن في العراق فيما انبرى علماء الاجتماع لتحليل الظواهر السلوكية التي رافقت هذه الاحداث ويقف في مقدمتهم عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي الذي تحدث كثيرا عن اصول البداوة في المجتمع العراقي وجدلية العشيرة والسلطة والقانون والتجاذبات بين هذه المفاهيم وتأثيرها على السلوك الحضاري للفرد والامة وفي كل الاحوال لايمكن فصل التطورات السياسية في التاريخ السياسي الحديث للعراق عن الحركة المجتمعية فسنوات الاستبداد والحكم الشمولي ومغامرات الحروب التي خاضها النظام الديكتاتوري افرزت سلوكا اجتماعيا متشظيا ومشتتا وازدواجيا ماتزال الدولة تعاني كثيرا في معالجته وعلى الرغم من مرور اكثر من خمسة عشر عاما على انهيار النظام الشمولي الا ان مظاهر ثقافة ذلك النظام ماتزال ظاهرة في سلوك مجموعات من العراقيين في الداخل والخارج وتتجلى هذ المظاهر في الانقسام الكبير بين افراد المجتمع العراقي على منابر التواصل الاجتماعي وتباين مواقفهم من المواقف والاحداث واندفاعهم نحو اجراء المقارنات بين منهج واساليب تعاطي النظام السابق مع المشكلات والتطورات وبين الاداء التشريعي والتنفيذي للنظام السياسي الحالي فيما يخوض رجال دين متشددون ونخب ثقافية مختلفة الاتجاهات سجالات دينية وسياسية وثقافية واجتماعية في مساحات اخرى لتفسير مايجري في العراق وتصل بعض هذه السجالات الى حد التشاتم وتبادل الاتهامات والتكفير والتفسيق وثمة صراع آخر يدور داخل المنظومة الاجتماعية حول دور العشيرة وتجاوز حدود تأثيرها لسياقات القانون ومايهمنا كوسط عراقي واع ومثقف ان تنتهي هذه السجالات وهذه الاختلافات عند نقطة مهمة تتعلق بحاضر العراق ومستقبله فليس عيبا ان تتشكل الدول من امم مختلفة في الاديان والمعتقدات والتقاليد ولكن العيب ان تفشل هذه الامم في بناء دولة قادرة في اداء مؤسساتها وفي ثقافة شعبها على العبور نحو ضفة النجاح وتمثيل جميع مكونات الدولة بعدالة ولايمكن تحقيق ذلك من دون ان يكون هناك خطاب ديني متنور يقف على منبره في المساجد رجال دين معتدلون يحترمون دين الاخر ومعتقداته وشيخ عشيرة واع يخاف الله ويكره الظلم وينصر المظلوم وسياسي محنك يمثل حزبه او قوميته او مذهبه او مدينته وعينه على الوطن اولا.. مثل هذه الوسطية ومثل هذا الاعتدال عاشها العراقيون من الناحية الاجتماعية خلال الحكم الملكي على مدى اكثر من اربعة عقود اسهم فيها المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي والعربي والكردي والشيعي والسنة في بناء الامة العراقية قبل ان تختطفها الانقلابات العسكرية وتقضي عليها قبضة البطش والتهديد والاجرام والتهجير والحروب العبثية.. ومايحتاجه العراقيون اليوم هو استلهام ذلك الارث الخالد وتلك الروح القوية والمؤمنة بالتعايش والحب ونبذ الاحقاد والكراهية والتزمت والتشدد.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group