بعد ان ادخلت الاهوار العراقية الوسطى الى لائحة التراث العالمي مع غيرها من المواقع العراقية، اتجهت الانظار الى تطويرها والاستفادة منها في الجذب السياحي ، وبيان تفاصيل الحياة البدائية التي كان سكان الاهوار يزاولون نشاطهم الحياتي من خلالها، كون المنطقة شهدت مؤخرا ازديادا واضحا في اعداد السواح القادمين من مناطق العراق المختلفة ، وسواح اجانب .
هذا التطور التاريخي الذي شهدته المنطقة ولد لدى الشاب الثلاثيني " رعد حبيب الاسدي " رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية ، فكرة باقامة متحف نوعي يضم التراث الانساني والنشاط الحضاري لسكان الاهوار الممتدة لمئات الكيلومترات بين مثلث حدودي يربط جنوب شرق ذي قار بشمال البصرة وجنوب غرب ميسان ،
اقامه رعد حبيب بجهد ودعم شخصيين ، ضم مئات الادوات التي يستخدمها سكان المنطقة عبر العصور المختلفة .. كما يقول صاحب المتحف رعد حبيب  الاسدي .
يقول الاسدي ان تكلفة انشاء المتحف بشكله الحالي بلغت اكثر من 70 مليون دينار عراقي ، بمجهود  فردي جاء مبلغ انشائه من بيع قطعة ارض عائدة لصاحب الفكرة ، وبيع عدد من الممتلكات العائده له ، بالاضافة الى اقتراض مبالغ مالية ، المتحف يضم مجسمات لانواع الزوارق وادوات صناعتها
المتحف يقول عنه الاسدي انه يمثل جزء من التراث الحقيقي للادوات التي توارثها سكان الاهوار عبر حقب زمنية مختلفة بدأت من الزوارق التي يستخدمها السكان في حياتهم اليومية والتي تنوعت بانواع واحجام واسماء مختلفة كل حسب استخدامه وطريقة صناعته ، فيضم المتحف مصغرات مصنعة من هذه الزوارق بتفاصيلها الدقيقة ومنها " الطرادة " وهو الزورق الذي يشبه الى حد كبير الزورق الموجود في قبر الملكة السومرية شبعاد بو آبي ، من حيث لاشكل والانسيابية كونه مدبب الاطراف بشكل رشيق ، ومنه نسخة في المتحف الوطني وهو ما يعرف بالزورق الفضي ، ويضيف الاسدي ان المتحف الذي انشاه يحتوي على الادوات التي تستخدم في صناعة الزوارق ، منها الفؤوس ذات الرؤوس الحديدية  و" البريمز "  .
ويضيف رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية ان هذه الزوارق لها امتداد صناعي وعملي من الحضارة السومرية والى الان توارثا السكان المحليون في الاهوار العراقية ، فضلا عن زوارق اخرى لها مسميات محلية منها " الشاشة " وهو زورق قصبي او بردي يستخدم لفترة زمنية قصيرة كون مواد صناعته سريعة التلف وهو من الزوارق المستخدمة الى سبعينات وثمانينات القرن الماضي  .
ادوات الصيد " الفاله " اهمها وهي الرفيق المصاحب لرجال القصب
ويقول صاحب فكرة المتحف رعد الاسدي ان المتحف يضم الادوات التي يستخدمها الاهواريون في الصيد والدفاع عن النفس وهي كثيرة اهمها " الفاله " والمنجل " حيث تستخدم الاولى للصيد واستحصال الرزق ، والدفاع عن النفس ، وهي بمثابة الاداة الاكثر قربا من حياة السكان هنا ، بينما يستخدم " المنجل " في عملية قطع وجمع النباتات ومنها النباتات الاكثر استخداما وهما نباتا " القصب والبردي " والتي كان الصابئة المندائيون من روادها وصناعها المهرة ، كما يضم بنادق قديمة جدا تعود لازمان مختلفة .
ما الذي يميز البيئة الاهوارية عن غيرها من المستطونات الحضارية العالمية القديمة ؟
وما يميز الاهوار العراقية انها لازالت تحتوي على اقدم المساكن التي لازال السكان يستخدمونها وهو " بيت القصب " وهو بناء قصبي يشبه المضايف المقوسة تصنع كل مكوناته من المواد الطبيعية ، القصب ومشتقاته " البواري " وحبال القصب " وغيرها ، وهو امر تفردت به البيئة العراقية الحضارية كون الحضارات الاخرى تطورت وتخلت عن مساكنها القديمة مثل الاهرامات والكهوف وغيرها .

يتحدث الاسدي عن متحفه الذي يحتوي على مفردات حياتية غاية في الدقة والتفصيل ، ليتناول اعتماد حياة الاهوايين على الصيد وتربية الجاموس كمصدر اساسي في حياتهم اليومية ، وما يصاحبها من ادوات تسهل حياتهم آن ذاك ومنها " تنور الطين " و " الشجوه " وهي عبارة عن اداة مصنعة من جلد الحيوانات تستخدم لتحويل الحليب الى لبن ، بعد وضعه داخله والاستمرار بتحريكها لمدة زمنية كافية لعملية التحويل الذي ينتج عنه اللبن والزبدة المحلية الطبيعية التي لازالت المنطقة تشتهر بها ، فضلا عن الزير الذي يستخدم لتنقية وتبريد الماء وهو ما يعرف محليا " الحب " وادوات الزراعة " المرواح " الذي لتذرية المحاصيل الزراعية وتنقيتها من الشوائب بعمليات مابعد الحصاد  و" الدكرة " التي تستخدم لتقليب المحاصيل كون المنطقة تشتهر سابقا بزراعة " الشلب " المتحف يحتوي اربع قاعات متخصصة بنشاطات مختلفة
وفي الذكر يقسم متحف الاهوار العراقية الذي يقع على بعد 95 كم جنوب شرق ذي قار الى اربعة اقسام وزعت بحسب الادوات والاستخدامات ، فالقاعة الاولى بحسب مسؤول المتحف ـ الشاب رعد حبيب الاسدي ـ تضم انواعا من الزوارق وادوات صناعتها ، وادوات الصيد والزراعة وبعض الادوات المنزلية الاخرى ، فيما تضم القاعة الثانية كميات كبيرة من الحلي والمجوهرات والعملات النقدية والاواني المنزلية المستخدمة في الطهي والمعيشة ، والخناجر ومفاصل القصب الذي يستخدم في حفظ الاوراق والرسائل والبارود ، كونه يقي الورق من الرطوبة ، كما يضم المتحف انواعا قديمة من " دلال القهوة العربية "  منها الشطرية والبغدادية وفناجين القهوة النحاسية .
وللمجرشة والخشبية حضور في متحف الاهوار وهي تركيب مصنوع من الخشب والقير تستخدم في تنقية الرز" الشلب "  من القشور واستخراج الحب النقي وطحنه وصناعة " خبر التمن " منه ، وادوات اخرى لها علاقة بهذا الجانب من الحياة مثل " الجاون " المستخدم بتكسير الحبوب ، والرحى الحجرية المستخدمة بطحن الحبوب ، كما يحوي على الاواني النحاسية والفخارية القديمة .
الى ذلك يرى الباحث الاثاري ، مدير متحف ذي قار الحضاري عامر عبد الرزاق ان المتحف المتخصص بالمجال البيئي او ما اسماه " بيت القصب " ان المتحف يعتبر ايقونة جميلة تطل على حضارة جميلة وحياة ساكنيها ، فضلا عن كون البيت القصبي هو الاخر ايقونة موغلة في القدم ولازالت ماثلة الى اليوم ومستخدم في مناطق الاهوار كبيت على خلاف الحضارات الاخرى التي انقضت بانقضاء ازمانها ، مثل الاهرامات وبيوت الشعوب الاخرى القديمة ، واضاف ان الفكرة تمثل عامل جذب سياحي من شانه ان يزيد اعداد السواح المحليين والعرب والاجانب .
وصوتت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في السابع عشر من تموز عام 2016 على إدراج الأهوار ومن ضمنها اهوار الجبايش والمناطق الأثرية في العراق على لائحة التراث العالمي .
ومن الجدير بالذكر ان برنامج المنظمة هذا انطلق عن طريق اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي والذي أعتمد خلال المؤتمر العام لليونسكو الذي عقد في (16 تشرين الثاني 1972)، ومنذ ذلك الحين ، فقد صادقت 189 دولة على هذه الاتفاقية، ويهدف البرنامج إلى تصنيف وتسمية والحفاظ على المواقع ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري.
ويعد كل موقع من مواقع التراث ملكا للدولة التي يقع ضمن حدودها، ولكنه يحصل على اهتمام من المجتمع الدولي للتأكد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة، وتشترك جميع الدول الأعضاء في الاتفاقية، في حماية والحفاظ على هذه المواقع .