لا دراما عن داعش

قيس قاسم العجرش

29/04/2020

نشأ تنظيم الدولة الإسلامية (المنبثق من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)، من عملية دقيقة لـ(تعريق) التنظيم، استمرّت سنوات، وانطلقت تحديداً بعد عمليات (الموجة The Surge)، أو باسمها العراقي (فرض القانون) عام 2007. أدرك حزب البعث وقتها أن التصالح مع تنظيم القاعدة، لن يجدي نفعاً ما لم يتول هو (اي البعث) القيادة تحت هوية عراقية. وأن يرتكب التنظيم وسيلة لإشهار حركة تحررية، تجد صداها بين المجتمع السنّي في العراق. أو على الأقل، بين شباب هذا المجتمع. لكن المناخ العام لن يقبل بظهور مُعاد لاسم البعث. كما أن تدفق الأموال الخارجية لن يستأنف ما لم يكن هناك شيء (عراقي) واضح على الأرض، شرط الّا يكون البعث معاداً.

ويبدأ هذا الشيء أولاً من التخلي عن ستراتيجية القاعدة (التواجد في كل مكان)، وتبني ستراتيجية جديدة مفادها أن هناك (شعب!) لداعش: كتلة سكانية وجدت في تنظيم الدولة الإسلامية ما يلي:

أولا- إنه حركة تحررية تمثل تطلعات الركن الجهادي من مزاج هذا المجتمع (المجتمع السنّي في العراق).

ثانياً: يكون التنظيم خيمة متسامحة مع الموصومين بأنهم  كانوا جزءاً من نظام البعث السابق، وبالأخص، مع أبنائهم الذين خرجوا الى هذه الدنيا وهم ابناء للحاكمين، ثم انقلبت فيهم أعلاها أسفلها.

ثالثاً: يكون التنظيم هو الوكيل الحصري المستلم لأي مساعدات، أو تمويل، من اي جهة كانت، لها مصلحة في فشل النظام العراقي بعد عام 2003. وبالأخص تلك الجهات التي ترى استقرار العراق إنما سيفسر على انه (نجاح) للمشروع الأميركي في التغيير.

كان التنظيم (ISIS) متسامحاً في الخفاء بشكل عجيب مع شبكات المخابرات التي ارتبطت به بعلاقة تعاونية تبادلية. أمرهم في ذلك من أمر حركة طالبان التي رأت منذ وقت مبكّر ان تحافظ على الترابط مع حضنها الاساس: الاستخبارات الباكستانية. ولم تجرّب ابداً ان تعطي للصوت الناقد للعلاقة مع باكستان اي فرصة أن ينمو داخلها.

 لقد حضرت بنفسي مؤتمر مكافحة الإرهاب في نيويورك عام 2015، مدعواً من الامم المتحدة كمراقب مدني عراقي. ووجدت أن معظم دول الغرب، واستراليا، والإمارات، وغيرها، ربطت بصراحة بين دعم العراق في حربه على داعش، ومدى التزامه بإنجاز (مصالحة) داخلية. طبعاً، كان للدول الإقليمية تعريفها الخاص لمفهوم المصالحة. المصالحة بنظرهم هي إعادة الإستقرار المجتمعي (الطبقي) الى صورته السابقة (التي ثبت انها كانت مستقرة نوعاً ما)، أو جزء منها. هؤلاء يريدون أن يختفي صدام، لكن يريدون لنظامه ان يبقى، لأنه يمثل استقراراً إقليمياً حسب رأيهم. وبوابة هذا الإستقرار، هي داعش التي كشفت عن قدرة (الحركة التحررية السنّية) في العراق على قلب الطاولة.

إذن، ليس لدينا سوى أن نتفاهم معها. والعلّة كانت بأن غزو الولايات المتحدة، كان قد تسبب بـ(ظهور)الشيعة كلاعب اساسي في جيوبولوتيك المنطقة. أصحاب هذا الرأي لم يسألوا أنفسهم، لماذا (ظهر) فجأة أمام أعينهم أن هناك ( شيعة) في العراق!... هل هو ذنب الشيعة؟، أم إنه ذنب من لم يسمع بهم!... هذه الأركان يجب ان تظهر في أي عمل درامي صادق ومثمر عن داعش، بل ويجب ان تكون ركناً في اي عمل روائي أدبي، يتناول سيرة داعش وظهورها، وكل وسائل  الإعلام العربية المنتجة لن تتحمل هكذا خطاب ابداً...

هل عرفتم الآن لماذا (لن) نشاهد دراما عراقية عن داعش؟

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group