الحوم حول جثة*

عبد المنعم الاعسم

31/03/2019

الذين يراهنون على استعادة عافية العملية السياسية، بعد الذي حصل، يحومون في الواقع حول جثة، ليس غير.. كيف؟. لهذا المآل مقال..
1-
من الخطأ ان نتأمل "نهاية" العملية السياسية من حيث انتهت عند تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي غداة انتخابات 2018 فاننا سنتجاهل الخطايا التي ارتكبت باسمها وبترخيصها طوال ما يزيد على عقد ونصف من السنين، ولعل اكثر خطاياها فظاعة انها رخّصت لمنتسبيها من الكتل والزعامات ان يكونوا في سلطة القرار وفي المعارضة في ذات الوقت، بحماية نصوص دستورية غاية في الهشاشة والتضارب اغتالت الرقابة والنزاهة والحساب والقصاص، فيما تأسست القاعدة السياسية التحتية لفضيحة المحاصصة ومن ثم استشراء الفساد في مفاصل الدولة بدخول القوى المتنفذة السباق المحموم للنهب والتعدي على المال العام واهانة قيم الامانة ضمن مقايضات معروفة بعنوان: "اسكتْ عليّ.. أسكتُ عليك!".
ولابد ان اضيف الى ذلك، على سبيل التحليل العادل، اننا، لا ينبغي ان نتجاهل البصمات الايجابية للعملية السياسية ذات الصلة بادارة الصراع بين قوى وفئات ومليشيات المرحلة، ودورها، كغرفة لأدارة الصراعات وضبطها ودرء اخطار الحروب بين حافّاتها، سواء بفروض التذكير بوحدة المصير والمصالح، او باحكام الصفقات بين المتنفذين فيها، أو بـ"تنظيم" الضغوط والصفقات والتدخلات الاقليمية والدولية، والحال، فان المراقب الموضوعي، يحتاج لكي يرصد الى اين انتهت العملية السياسية الى تأشير التشابك بين حاجات المرحلة التي اعقبت التغيير (الاحتلال) لضبط التعامل بين قياداتها وبين المنزلق الكارثي الذي انحدرت اليه والحقت اضرارا بالعراق وشعبه، ولعل افدح الاضرار هي الارواح التي ازهقت باعمال العنف والارهاب حيث عجزت العملية السياسية في كبح هذه الاعمال، بل انها سهلت لها، موضوعيا.
لنعيد الذاكرة الآن الى تلك "الضرورة" التي صيغت عشية سقوط نظام الدكتاتورية بالقول (وهو سليم من الناحية النظرية) ان العراق لا ينبغي (بل ويستحيل) ان يُحكم من قبل كتلة او فئة او قومية او طائفة واحدة، وان المطلوب حكم شراكة مؤقتة (مرحلة انتقال) يضع ارضية للانتقال الى دولة الدستور والمواطنة، وحكم الاحزاب والاكثرية، واعتُبر تشكيل "مجلس الحكم" من ممثلي اطراف واحزاب العهد الجديد بمثابة الترجمة لتلك الضرورة، فيما كانت الشكوك تراود الكثير من المراقبين بجدارة الشراكة المعلنة في ادارة شؤون البلاد التي ورثت مشكلات مجتمعية وادارية واقتصادية معقدة، لأن المحاصصة ضربت في شبكة الدولة وحالت دون تأمين الوصول بالقارب الى ضفاف السلامة.
لقد صمم اصحاب العملية السياسية وظيفتها بتحقيق التوازن بين الخيارات السياسية "الوطنية" المختلفة التي راحت (بدل ان تتضامن وتتعلم من تجارب الماضي) تتشظى وتتخاشن وتتخندق يوما بعد آخر، وصار واضحا انه ليست فقط المصالح الضيقة (الامتيازات. المواقع. مصادر الكسب) تدفع الى تفاقم الخلافات بين فئاتها، بل ان تفاوت فهم واستيعاب لوازم التوازن والضرورات بينها، وغياب رجل الدولة "المحور" ادى الى تدمير آخر مناسيب الثقة بين فرقاء العملية السياسية، بل واضرم الصراعات والانشقاقات في داخل كل فريق من الفرق، السياسية والطائفية والقومية على حد سواء، يكفي القول ان الجبهة الكردستانية كانت الى ما قبل ثلاث سنوات متصالبة الى حد ما قبل ان يدب في صفوفها التشظي والتناحر لتتكامل صورة الانهيار في معادلات التوازن المفترضة في العملية السياسية السياسي، على مستوى العراق.
(للبحث بقية)

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group