بعد الاحتلال عام 2003
كان المنتظر ان تبدأ مرحلة جديدة يجري فيها تدوير عجلة الانتاج وتحريك حركة التصنيع
وتفعيل دينامياتها من خلال أدواتها المتمثلة في مئات المصانع المتوقفة بسبب الحصار،
لكن شيئا من هذا لم يحدث فقد شرعت سلطة الاحتلال حزمة من السياسات الاقتصادية لعل أسوأها
تحويل 169 شركة ومصنع الى اجراءات الخصخصة في ظروف لم تكن ولن تكون جاهزة لمثل هذه
الاجراءات مما الحق الضرر بالاقتصاد العراقي فزدادت البطالة وتعاظم الفقر بالرغم من
معارضة الاحزاب الوطنية والاتحادات النقابية والكثير من الاقتصاديين لسياسة الاحتلال.
بيد ان السياسات الاقتصادية
الحكومية اللاحقة لم تأخذ على محمل الجد هذه المهمة بما يسد حاجة ومتطلبات السوق بل
كرست اهتمامها على الاستيراد الخارجي الذي كلف الخزينة العراقية ما لا يقل عن 300 مليار
دولار، عن طريق نافذة البنك المركزي الذي لم يكتف بالاستيراد وانما رافقته عملية منظمة
لتهريب الاموال الى الخارج فتقلص الى حد كبير الاحتياطي النقدي واختل الميزان التجاري
وضعف الانتاج الوطني الذي رفع عنه عمليا غطاء الحماية وتوقف نشاط المشاريع الصناعية
في القطاعين بحدود200 معمل في القطاع العام و36 الف بين مشاريع صغيرة ومتوسطة في القطاع
الخاص. وكل هذه المشاريع التي قدرت تكاليفها من 100 الى 120 مليار دولار كان من الممكن
لو استثمرت بطريقة عقلانية استعادة عملية الانتاج دورانها في الوقت الذي قدر حجم الهدر
المالي منذ عام 2004 الى 2012 بما يقرب من 245 مليار دولار فيما اكد وزير التخطيط السابق
توظيف 700 مليار دولار خلال نفس الفترة لم يصرف منها سوى 20 في المائة ما يدلل على
فشل الادارة الاقتصادية وضعف المتابعة الحكومية والبرلمانية لما يجري في هذا القطاع
والسؤال الصادم اين ذهبت الـ 80 في المائة من التخصيصات التي تحدث عنها وزير التخطيط؟
لقد اظهرت السنوات الماضية
ان الخطط التي وضعتها وزارة التخطيط لم تحقق التنمية المرسومة لها كما لم تسهم في تدوير
عجلة الاقتصاد في قطاعات الصناعة والزراعة باستثناء انتاج النفط الذي اخذ جل اهتمام
الدولة كما لم تسهم في تنمية القدرات البشرية والاستخدام العقلاني لموارد البلاد الاقتصادية
لتهيئة البيئة المناسبة لعمليات الاستثمار المعوق بسبب البيروقراطية ونزعة الابتزاز
التي فتحت لها شهية الفاسدين. فضلا عن اللجوء الى الاقتراض الخارجي والداخلي الذي يزيد
عن 130 مليار دولار وظفت لتغطية الانشطة التشغيلية التي طغى عليها الافراط في الانفاق
العام..
ومن الواضح ان الحكومة
المؤقتة ستواجه اشكالية اقرار الموازنة الجديدة لعام 2020 التي ستشهد عجزا غير مسبوق
قد يزيد عن 50 تريليون دينار ما يضعها في حرج امام الشعب العراقي الذي يخوض انتفاضة
باسلة من اجل تحقيق مطالب مشروعة تمثل مخرجات سلبية للسياسات الفاشلة للحكومات السابقة
مما يتطلب مراجعة جادة لمجمل هذه السياسات والعمل على معالجة اسباب الفشل وفي هذا الاطار
نقترح الاتي:
1. الاستثمار الامثل للموارد البشرية عن طريق التدريب
وزيادة المهارات وتشجيع الاستثمار وامتصاص البطالة وهنا يستدعي القضاء على الروتين
الحكومي وابعاد الفاسدين عن التدخل في عمليات الاستثمار وتسهيل اجراءات الائتمان للمستثمرين
المحليين بوجه خاص وتحديد المجالات الاكثر نفعا في مجالات الاستثمار وفي الجانب الاستثماري
لموازنة هذا العام يمكن الاستعانة بالتخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة للسنة
السابقة استنادا الى قانون الاستثمار رقم 6 لعام 2019 لتجنيب المشاريع المستمرة من
الاندثار وتعرضها للخسائر.
3. البحث عن مصادر جديدة للتمويل وايلاء اهتمام
حقيقي للإصلاح الضريبي وخاصة على المنتجات المصنعة ووضع الاليات المناسبة لمراقبة هذا
النشاط ليكون للضريبة دور في تعزيز الموازنة كأداة للسياسة الاقتصادية ووسيلة في توزيع
الدخل.
3. دعم السلع ذات الاستهلاك
الواسع وخاصة المواد الغذائية وتشجيع انتاجها من خلال الدعم الحكومي والتشدد في تطبيق
قانون حماية المنتجات تحقيقا للاكتفاء الذاتي والاستفادة من تجارب دول امريكا اللاتينية
بما يتلاءم مع خصوصية بلدنا.