المفاهيم ذات العلاقة بمكافحة الفساد

محمد عبد الكريم يوسف

10/12/2021

هناك مثل سائر في اليابان يقول : قبل البدء في الإصلاح لا بد من الاتفاق على المصطلحات أولا ومن بعده ندخل في التفاصيل . ومتى كلن الإصلاح منفعلا بواقع خاص ونتيجة لظرف طارئ انحرف عن مساره وصار انتقاما وتلعثما وسيرا بلا هدف ومتى سار الإنسان بلا هدف اختلط الحابل بالنابل وفقد معناه.

هناك مفاهيم ومصطلحات تنتشر في القواميس التي تتخصص بمكافحة الفساد يمكن أن نذكر منها :

الحكم الصالح:
يشير مفهوم الحكم الصالح إلى ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية، لإدارة شؤون بلد ما على المستويات جميعها، بطريقة محدّدة، وتتصف بأنها "صالحة". الحكم الصالح هو الحكم الذي يستهدف تحقيق مصلحة عموم الناس في المجتمع، على أنه "نسق من المؤسسات المجتمعية، المعبرة عن الناس تعبيراً سليماً، وتربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة المؤسسات، وفي النهاية بواسطة الناس ، وذلك كأي نظام حكم فعال وصالح، يعمل على تفعيل المشاركة المجتمعية، من خلال تأمين حقوق الإنسان والحريات والحقوق الأساسية للمواطنين جميعا وحمايتها، وبخاصّة المتعلقة بحرية التعبير والتنظيم، وتبنّي وسائل عمل بشكل شفاف، وبتوفير المعلومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتدفقها بشكل يجعلها متاحة للمواطنين بالشفافية كلها؛ مما يمكّنهم من مشاركة فعلية في إدارة الشأن العامّ، ومساءلة المسؤولين بشكل فعّال في نظام يضمن المساواة وعدم التحيز، ويعزّز سيادة القانون، وتجري فيه الانتخابات العامّة بشكل نزيه ودوري.
ويتصف الحكم الصالح بأنه غير استبدادي، ويرتكز إلى مؤسسات دستورية قوية، وتتوازن وتتكامل فيه الصلاحيات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وترتبط هذه المؤسسات بشبكة فيما بينها، تقوم على الضبط والمساءلة. وانطلاقاً من هذه الخاصّية، فإن الحكم الصالح يسعى إلى تمثيل فئات المجتمع جميعها، ويكون مسؤولاً أمامها؛ وذلك من أجل تسهيل عملية التنمية وتعزيزها، وتحقيق مستوى رفيع من الرفاه.

معايير الحكم الصالح:
1- النزاهة والشفافية والمساءلة
2- سيادة القانون
3- تحقيق حاجات الجمهور
4- المساواة
5- المصلحة العامة
6- حسن الاستجابة
7- الرؤية الاستراتيجية
8- المشاركة
9- الفصل المتوازن والمرن بين السلطات.

مفهوم النزاهة:
النزاهة مجموعة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل، والالتزام بالسلوك القويم وبمبدأ تجنب تضارب المصالح، والاهتمام بالمصلحة العامّة، وحرص الذين يتولون مناصب عامة عليا على الإعلان عن أي نوع من تضارب المصالح قد ينشأ، بين مصالحهم الخاصّة والمصالح العامّة التي تقع في إطار مناصبهم، كأن يجمع الشخص بين الوظيفة الحكومية ومصالح في القطاع الخاصّ، إذ قد يخلق ذلك تعارضاً في المصالح في مجالات عديدة، كالمناقصات أو العطاءات أو المواصفات أو الموافقات أو الضرائب أو الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى احتمال حسم هذا التعارض، بما يتماشى مع مصالحه الخاصّة على حساب المصلحة العامّة. وتشمل هذه المجموعة من القيم، أيضاً، منع تلقّي الموظف العامّ أي مقابلٍ ماليٍّ من مصدر خارجي، للقيام بأي عمل يؤثر في المصلحة العامّة، أو يؤدي إلى هدر المال العامّ.
تتطلّب النزاهة من الذين يخدمون في الشأن العامّ أو العمل العامّ أن لا يضعوا أنفسهم تحت إغراء الأموال، أو أي التزامات لأفرادٍ أو مؤسسات، من الممكن أن تؤثر في أدائهم لمهام وظيفتهم الرسمية، كما تشمل، أيضاً، احترام وقت العمل والأموال العامة وعدم استخدامها للمنافع الخاصة.
لتقييم مدى توفر النزاهة في مؤسسة ما لا بد من وجود عدد من المؤشرات التي تدل على مدى التزام تلك المؤسسة بقيم النزاهة.

مدونة السلوك المؤسساتية :
تعدّ مدوّنات السلوك أحد أهم الوسائل التي تعزز النزاهة التي تمزج بين ما تفرضه أحكام القانون على العاملين والالتزام الأخلاقي الطوعي، من خلال تبني ذاتي من قبل العاملين في إدارة الشأن العام لعدد من الأحكام التي تتعلق بتعاملهم مع المواطنين وزملائهم والمسؤولين، وبالمعايير الأخلاقية الايجابية، مثل المحافظة على الأموال والممتلكات العامّة.
تتضمن مدوّنة السلوك معايير لأخلاقيات ومجموعة السلوكيات والقيم الواجب مراعاتها. وتتميز المدوّنات عن النصوص القانونية بأنها التزام أخلاقي طوعي من قبل الدوائر والموظفين العموميين، حيث يكون الضمير أداة رقابية داخلية فعالة. وإلى جانب ذلك يحق للدوائر المختلفة، ومن باب تعزيز الأداء السليم للوظيفة العامّة، أن تصوغ رسالتها وقيمها الخاصّة بناء على القيم الأساسية، ويشمل ذلك معايير التصرف والسلوك المتوقعة من الموظف عند تعامله مع زملائه في العمل، أو الجمهور الذي تخدمه المؤسسة عند قيامه بمهام عمله، وربط هذه المواثيق بنظام واضح يتضمن مبدأ الثواب والعقاب، من خلال إعطاء المكافآت والحوافز للملتزمين وفرض العقاب على المخالفين، الأمر الذي يعزز من قيم النزاهة وحبّ العمل.

سمات مدونات السلوك:
1- الوصول إلى بناء منظومة النزاهة في العمل العامّ والخاصّ، والهيئات المحلّية والمنظمات الأهلية والإعلامية
2- احترام سيادة القانون وأحكامه، إضافة لاحترامه لزملائه الموظفين ومسؤوليه.
3- الالتزام باحترام أحكام القوانين المحلّية والمعايير والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة وتنفيذها.
4- الالتزام بإبلاغ الجهات المختصة، بالطرق القانونية، عن أي شخص، بغض النظر عن منصبه، يقوم بنشاط غير قانوني أو غير أخلاقي، أو أي سلوك يمكن أن يوصف بالفساد، أو سوء المعاملة، أو الغش، أو الرشوة، أو غيرها من الانتهاكات للقانون، أو للقواعد الأخلاقية.
5- التعاون مع جهات التحقيق والرقابة، والتعامل بجدية وأمانة في حالة اكتشاف قضايا الكسب غير المشروع، بحيث تقدّم البيانات والإيضاحات المتوافرة لدى المؤسسة بمصداقية للجهات المعنية، دون أن تعمد إلى التضليل، أو الخداع، أو المحاباة.
6- الامتناع عن قبول أي هدية أو مكافأة أو منحة أو عمولة، مباشرة أو بالواسطة، من جهات أو أشخاص، بغرض تقديم تسهيلات أو معلومات، لتحقيق مصالح شخصية أو عائلية أو حزبية، أو لمكاسب مادية.
7- امتناع القطاعات جميعها عن الاستفادة من المعلومات الداخلية لمؤسساتهم التي يعملون فيها، بهدف تحقيق منفعة خاصّة لهم، أو لغيرهم، بشكل مخالف للقانون.
8- الالتزام بالحيادية في عملية التعيين والترقية، وتقديم الخدمة، وتبنّي إجراءات توظيف وترقية، معلنة في القطاعات جميعها تمنع التدخل السياسي في عملية التوظيف والترقية.
9- رفض قبول الرشوة والإبلاغ عن الراشي.
10- الالتزام بإتاحة المعلومات العامة المتعلقة بالشؤون المالية والهيكل التنظيمي، والأنشطة، وقوائم الموظفين والشركاء، وتيسير الاطلاع عليها للجمهور، وبذل الجهود كافة لإحاطة الجمهور بالأعمال التي تقوم بها المؤسسة، ومصادر مواردها، وأوجه صرف تلك الموارد، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلّات والمعلومات التي تخص المواطنين، بشكل يسهل وصولهم إليها، والمحافظة على الخصوصية والسرية وفقًا للقانون.
11- تبنّي سياسات وسلوكيات تضمن الحفاظ على حقوق المواطنين في الحصول على فرص متساوية في تلقي الخدمات.
12- استقبال شكاوى المواطنين، والتحقيق فيها بجدية، وفقًا لقواعد السلوك الواردة في المدوّنة، وعلى الموظف المسؤول عن تلقي الشكاوى مخاطبة صاحب الشكوى بما تمّ التوصل إليه في عملية التحقيق خلال وقت محدد ومناسب.

سياسة الإفصاح العلني عند تضارب المصالح:
تعرف حالة تضارب المصالح بأنها مرحلة سابقة لأشكال الفساد وغالبا ما تؤدي إلى الوقوع بها، ويعرف هذا المفهوم على أنه الوضع الذي يكون فيه الموقع الوظيفي أو المنصب العامّ مكانًا لتغليب أو احتمالية تغليب مصلحة خاصّة على حساب المصلحة العامّة، ويقصد بالمصلحة الخاصّة هنا قيام الموظف بعمل، أو الامتناع عن القيام بعمل؛ بهدف جلب منفعة شخصية له، أو لأحد أفراد أسرته، أو عائلته، أو حزبه السياسي، أو لأي جهة أخرى بشكل غير مشروع، ومن الأمثلة على هذه الحالة وجود أحد المسؤولين في موقع اتخاذ القرار، بشأن تعاقد تودّ المؤسسة العامّة التي يعمل فيها إجراءه مع شركة خاصّة يملك أسهما فيها، وكذلك الحال في النزاهة والشفافية والمساءلة وجود أحد الموظفين في جهة رقابية عامة تتولى مسؤولية الرقابة على شركة أو مؤسسة خاصّة، مملوكة لأحد أقربائه من الدرجة الأولى أو الثانية، ويندرج ضمن هذا العنوان، أيضاً، مسألة ضبط عملية انتقال الموظفين العاملين في جهات رقابية أو إشرافية للعمل في المؤسسات التي كانت تخضع لرقابتهم أو إشرافهم، سواء أثناء خدمتهم من خلال عقود استشارية أم عقود بدوام جزئي أو خلال الإجازات، أو حتى بعد تركهم الوظيفة .
قد يختلط مفهوم الهدايا التي يمكن تقديمها لمن يؤدون عملا عاما بمفهوم الرشوة في بعض الأحيان، وقد لا تدخل الهدية ضمن مفهوم الرشوة المجرمة قانونا، ولكن مع ذلك قد تؤثر سلبا على أداء الموظف تجاه من قدم له هذه الهدية، (كالعزائم أو التخفيضات على الأسعار التي تمنح خصوصا لبعض الموظفين)، الأمر الذي يتطلب وجود أنظمة مقرة لكيفية التعامل مع هذه الهدايا من حيث مدى إمكانية قبولها وفقا لطبيعتها،وقيمتها، والجهة التي قدمتها، وكيفية التصرف بها وتسجيلها بما يضمن عدم استفادة من قدمها في معاملاته التي يجريها لاحقا مع المؤسسة التي قدمت لها، وبما يضمن، أيضاً، عدم إثراء الموظف من تلك الهدايا.

سياسة الإقرار بالذمة المالية والإفصاح عن الممتلكات:
إنَّ إقرارات الذمة المالية عبارة عن إقرار يعلن من خلاله الموظف العامّ ومَنْ في حكمه ما لديه وما لدى زوجه وأبنائه القصر من أموال منقولة، وغير منقولة بما في ذلك الأسهم والسندات والحصص في الشركات والحسابات في البنوك والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة، ومصادر دخلهم وقيمة هذا الدخل، حيث تؤدي هذه الإقرارات دورا مهما في الكشف عن جرائم الكسب غير المشروع في العمل العام وتعزز من الجانب الوقائي في هذا المجال.

الشفافية:
تعني الشفافية ضرورة وضوح إدارة الدولة من قبل القائمين عليها بمختلف مستوياتهم فيما يخص إجراءات تقديم الخدمات، والإفصاح عن شروط ومعايير وآليات الحصول على هذه الخدمات بشكل علني ومتساوٍ للمواطنين جميعهم، وكذلك القرارات الحكومية المتعلقة بإدارة أي جانب من الجوانب العامة، مثل السياسات العامّة المتّبعة، والسياسات المالية العامّة، وحسابات القطاع العامّ، وبكلمات أخرى فإن الشفافية عكس السرية، فالسرية تعني إخفاء الأفعال عمدًا، بينما تعني الشفافية الإفصاح عن هذه الأفعال، وينطبق ذلك على أعمال الحكومة جميعها بوزاراتها المختلفة، كما ينطبق على أعمال المؤسسات الخاصّة التي يتضمن عملها تأثيرًا على مصلحة الجمهور والمؤسسات غير الحكومية .
تمتد مساحة الشفافية الخاصة بالأفراد ومتطلباتها، وتتسع مع اتساع حجم المسؤولية
التي يشغلها الشخص، حيث تتراجع مساحة الخصوصيّة لصالح المساحة التي يفرض القانون إطلاع المواطنين عليها، عندما يتعلّق الأمر بكبار المسؤولين، مثل: أعضاء مجلس الشعب والوزراء ورؤساء المؤسسات والشركات الرسمية العامّة.

مؤشرات ضمان الشفافية :
1. توافر وثائق واضحة حول أهداف المؤسسة، وفلسفة عملها، وبرامجها، وإتاحتها للجمهور.
2. توفير معلومات للجمهور حول النظام الأساسي والهيكل التنظيمي للمؤسسة، وكذلك نظام الموظفين، وميزانية المؤسسة وتمويلها وعلاقاتها.
3. إتاحة الفرصة للجمهور للاطلاع على خطط المؤسسة، وإشراك الجمهور في صياغة هذه الخطط والتعليق عليها.
4. معرفة المواطنين بأنشطة المؤسسة وبرامجها، وكيفية الحصول على خدماتها، وكيفية تأدية هذه الخدمة.
5. تطبيق واحترام مبادئ الشفافية لا بد من وجود سياسة عامة للنشر والإفصاح عن المعلومات للجمهور المعني، وإتاحة الفرصة لهم للاطلاع على القرارات العامّة الصادرة عن المؤسسة.
6. التدفق الحر للمعلومات، بما يتيح للمعنيين أن يطلعوا مباشرة على العمليات والإجراءات والمعلومات المرتبطة بهذه المصالح، وتوفر لهم معلومات كافية تساعدهم على فهمها.



تعزيز قيم الشفافية :
1. حث الحكومات على الكشف عن المعلومات، خاصّة عند التحقيق في دعاوى الفساد، وكذلك تعزيز التشريع الخاصّ بالتمويل الحزبي والحملات الانتخابية، الذي يدخل في إطار الشفافية في العملية الانتخابية؛ مما يزيد شرعية البرلمان المنتخب.
2. تعزيز درجة الشفافية في العمل البرلماني، وذلك بإشراك المواطنين، من خلال توفير قناة لوصول المعلومات إلى الجمهور، والصحافة، ووسائل الإعلام؛ لكي لا تكون هناك أي ضغوطات حكومية على البرلمان.
3. اطلاع المواطنين على المعلومات يسمح لهم بتفحّص أعمال المؤسسة العامّة بدقة، مثل الوزارات، والإدارات، والأجهزة، والمؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية، والهيئات المحلّية.
4. حرية الوصول إلى المعلومات تُعدّ شرطاً أساسيّاً لتوافر الديمقراطية، ومنح المواطنين الحق في الحصول على المعلومات الدقيقة والموثوقة، في التوقيت المناسب، بأدنى قيود.
5. ممارسة المواطن دورا في الحكم ممثلاً بالاهتمام الإعلامي والمعرفة، وتكوين الرأي العامّ والعضوية الفاعلة في مؤسسات المجتمع المدني؛ الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الشعور بالثقة بالنفس، وبالحماسة المتزايدة، والمساهمة في مناقشة الشأن العامّ، بحيث يحدث نشاطه المدني تغييرًا في السياسة أو رفعاً للظلم، أو كشفاً عن فساد أو تلاعبٍ بالمال العامّ.

المساءلة:
تعرّف نظم المساءلة على أنها واجب المسؤولين عن الوظائف الرسمية في تقديم تقارير دورية حول سير العمل في المؤسسة أو الوزارة، بشكل يتم فيه توضيح قراراتهم وتفسير سياساتهم، والاستعداد لتحمل المسؤوليات المترتبة على هذه القرارات، والالتزام بتقديم تقارير عن سير العمل في مؤسستهم، يوضح الإيجابيات والسلبيات، ومدى النجاح أو الإخفاق في تنفيذ سياساتهم في العمل، وكذلك يعني المبدأ حق المواطنين العاديين في الاطلاع على هذه التقارير العامة، وعن أعمال الإدارات العامّة، مثل مجلس النواب، ومجلس الوزراء، والوزارات والمؤسسات العامة الرسمية والمؤسسات غير الوزارية والمؤسسات الأهلية والشركات التي تدير أو تقدم خدمة عامة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات.
ويهدف ذلك إلى التأكد من أن عملهم يتفق مع قيم العدل والوضوح والمساواة، والتأكد من توافق أعمالهم ومسؤوليتهم مع الحدود القانونيّة لوظائفهم ومهامهمّ؛ مما يكسبهم الشرعية والدعم المقدمين من الشعب، وتفترض أنظمة المساءلة الفعّالة وضوح الالتزامات والمسؤوليات والاختصاصات، والأطر الناظمة لعملهم، وقنوات الاتصال الداخلي والخارجي. فالمساءلة بمفهومها العامّ تفرض على كل من حصل على تفويض من جهة معينة، بصلاحيات وأدوات عمل، أن يجيب بوضوح عن كيفية التصرّف، واستخدام الموارد والصلاحيات التي وُضعت تحت تصرفه وتفترض المسؤولية أن يتحمل المسؤول نتائج أعماله.

مؤشرات المساءلة :
عند فحص مدى كفاءة نظام المساءلة في مؤسسة عامة ما، فإنّ النجاعة تستند إلى توافر عدد من المؤشرات التي يمكن بلورتها وتوضيحها، من خلال الآتي:
1. مدى وجود وثائق منشورة واضحة، تتعلق برسالة المؤسسة وفلسفة عملها، وأهدافها، وإستراتيجيتها، وخططها، وموازناتها، وإيراداتها، ونفقاتها.
2. مدى تملك هذه المؤسسات لهيكلية تتوافر فيها خاصّية خضوع الهيئات الدنيا جميعها لمساءلة الهيئات العليا ومتابعتها، وتوافر أنظمة تحدِّد أشكال العلاقة بين هذه الهيئات وآليات تواصلها؟ وهل هناك وصف وظيفي واضح للعاملين كافة في هذه المؤسسات.
3. مدى عقد هذه المؤسسات لاجتماعات دورية؟ ومدى قيامها بأعمال تفتيشية.
4. مدى التزام هذه المؤسسات بإعداد تقارير معينة؟ ومدى وجود منهجية واضحة لإعداد هذه التقارير؟ ولمن تقدم هذه التقارير؟ وهل هناك آليات للمساءلة في حال اتضح وجود مخالفات قانونية.

المساءلة المجتمعية:
يمكن تعريف المساءلة المجتمعية بأنها الممارسة التي تعمل على بناء نهج يعتمد على المراقبة والمحاسبة والمشاركة المدنية، حيث أنها تُمكّن المواطن العادي أو منظمات المجتمع المدني من المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر من الرقابة على السلطة لضمان فعالية وكفاءة تقديم الخدمات والاستغلال الأفضل للموارد. وهي بتعبير آخر مطالبة الجهات الرسمية ومن يقوم بإدارة الشأن العام من قبل المواطنين بتبرير وتوضيح قراراتهم وأعمالهم وتقاريرهم، استنادا إلى العقد الاجتماعي الضمني بين المواطنين وممثليهم و وكلائهم الذين قاموا بتفويضهم في إطار الديمقراطية عملا بالمبدأ الأساسي من مبادئ الديمقراطية هو أن المواطنين لديهم الحق في المطالبة والمساءلة والجهات العامة ملزمة بالخضوع للمساءلة.

المتطلبات التي يجب توافرها في المواطن لتفعيل نظام المساءلة الاجتماعية:
1. الوصول إلى مرحلة الصدق و الشفافية .
2. امتلاك المعلومات
3. المعلومات والالتزام بتقديم المعلومات.
4. القدرة على طلب التوضيح و التبرير .
5. القدرة على فرض العقوبات .
6. القدرة على المشاركة في عمليات صنع القرار.

المحاسبة:
المحاسبة تعني خضوع الأشخاصّ الذين يتولَّون مناصب عامة للمحاسبة عن أعمالهم نتيجة للفحص والمساءلة من قبل المسؤولين عنهم في المناصب العليا مثل الوزراء ومن هم في مراتبهم، وتكون المحاسبة في الجوانب التالية :
المتابعة القانونية: أي مطابقة تصرفات الأفراد مع بنود القانون في الأعمال التي يقومون بها.
المتابعة الإدارية: وتعني تعرض الأفراد العاملين في المؤسسة الحكومية للفحص والمتابعة .
التقويم المستمر: الذي يقوم به أفراد أعلى منهم درجة في سلّم الهرم الوظيفي للمؤسسة
المتابعة الأخلاقية: وتعني مقارنة الأعمال التي يقوم بها الشخص مع القيم الأخلاقية التي يجب الالتزام بها مثل: الأمانة في العمل ، الصدق في القول، العدالة في المعاملة، وعند ثبوت تجاوز الشخص لواحدة أو أكثر من هذه الصفات الأخلاقية .


الإفلات من العقاب:
يعتبر الإفلات من العقاب أحد أبرز المظاهر مساسا بمفهوم سيادة القانون ويرتبط ارتباطا مباشرا لا انفصام فيه بمفهوم ضعف المساءلة والمحاسبة. وتعتبر هذه الظاهرة في كثير من الأحيان لا سيما في دول العالم الثالث رمزا وتعبيرا عن ظاهرة الانفصام والانفصال ما بين الإطار النظري لمفهوم سيادة القانون وما بين الواقع العملي والتطبيقي لهذا المفهوم على أرض الواقع في تلك الدول، فكثير من الأحيان ما نجد في تلك الدول نصوصا قانونية متينة وقوية، ولكنها غير مطبقة على أرض الواقع أو أن تطبيقها يقتصر على الصغار دون الكبار.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ترتبط في الواقع التطبيقي أكثر منه في الواقع النظري، إلا أنه وفي بعض الأحيان تنتج، أيضاً، عن الخلل في الإطار النظري القانوني، فتكون ثغرات القانون وهناته وضعف صياغته والفراغ التشريعي الذي يخلقه غيابه سببا رئيسيا في ظاهرة الإفلات من العقاب.

أسباب الإفلات من العقاب :
1. ضعف الأجهزة القضائية وفسادها وتشغيل الخبرات غير الناضجة والتي لا تمتلك الكفاءة اللازمة إ ذ لا شك بأن القضاء هو الجهة المختصة اختصاصا أصيلا بالمحاسبة وإيقاع العقوبة على من يثبت بحقه جرم من جرائم الفساد، وعليه فإن أي ضعف في هذا الجهاز .
2. ضعف الأجهزة الرقابية وتشغيل الخبرات غير الناضجة والتي لا تمتلك الكفاءة اللازمة التي من المفترض أن تتولى كشف جرائم الفساد والوصول إلى شبهات الفساد وإحالتها للجهات المختصة.
3. ضعف الإرادة السياسية التي تكون ناتجة في بعض الأحيان عن ظاهرة الفساد السياسي، وتدخل العامل والاعتبار السياسي في بعض الأحيان في اعتبارات المساءلة والمحاسبة وملاحقة الفاسدين.
4. الحصانات المبالغ فيها التي تمنح لأشخاص مسؤولين تعيق من حيث المبدأ مساءلتهم أو في ملاحقة المتورطين منهم في جرائم فساد.
5. الاستخدام غير المبرر للعفوين العام أو الخاص الذي يمنح لبعض المسؤولين وأثره السلبي في إفلات الفاسدين من العقاب.
6. ضعف المنظومة العقابية المتمثلة بعدم إيقاع العقوبات الرادعة التي تعاقب المتورطين بمعاقبة جدية تضمن عدم تكرارهم لأفعال الفساد.
7. توافر معيقات الإبلاغ عن الفساد وعدم تشجيعه وعدم حماية المبلغين.
8. توافر معيقات التعاون الدولي وإشكالات القانون الدولي فيما يتعلق بالملاحقة الدولية للفاسدين ومسألة استرداد الأموال المنهوبة وتسليم المجرمين.
9. غياب الشفافية في إجراءات المساءلة والمحاسبة والملاحقة.

وحيث أن منظومة الفساد في تطور مستمر يصعب اللحاق بها و بمصطلحاتها ، يجب متابعتها عن كثب والكشف المستمر عن منظومات الفساد والآليات التي يستخدمها بين الحين والآخر.

ترددات نوا

  • الأكثر قراءة
  • احدث الاخبار
Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group