العراق ونار الجوار

غسان شربل

قبل 13 ساعة
ذات يوم سألت الرجل الذي كان يعمل في قصر صدام حسين إن كان سمعه مرة يشتم، فأجاب: «لا، لم يكن من عادته أن يشتم. كان يصمت حين يغضب لكن الشرر يلمع في عينيه، وغضبه رهيب إذا اتهم أحدا بالخيانة أو الغدر أو الاستيلاء على المال العام». ثم استدرك: «كي أكون دقيقا، أعترف بأنني سمعته مرة يقول: أبو إيران على أبو تركيا. وكأنه يتذمر من الموقع الجغرافي للعراق».
لنترك جانبا تذمر صدام من القدر الجغرافي. لكن الواقع أن القدر جعل العراق رفيقا للنار في منطقته، وعلى حدوده أو جواره. علاقات العراق بجارته سوريا كانت صعبة دائما، ووصلت أحيانا إلى شفير النار. عداوة صدام حسين وحافظ الأسد كانت من الثوابت. وعلاقة البلدين تجتاز اليوم اختبارا ليس بسيطا، والقصة طويلة.
تذكرت تذمر صدام من القدر الجغرافي حين سمعت في بغداد أن العراق نجا إبان الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة من خطر الانزلاق إلى تهديد وجودي أكبر من الذي مثله تنظيم داعش حين اجتاح ثلث الأراضي العراقية، وأن العراق نجح في الإفلات من هذا الخطر، لأنه تفادى الانخراط في نار الحرب التي كانت دائرة قرب حدوده، وعبرت مقاتلاتها وصواريخها أجواءه.
وعزا المتحدث النجاة إلى أسباب عدة؛ بينها أن السلطات والفصائل أخذت على محمل الجد التهديدات الإسرائيلية، وانتقال أميركا من صيغة النصائح إلى صيغة التحذيرات. وأضاف إلى العوامل أن إيران لم تطلب من الفصائل الانخراط في الحرب؛ بل حثتها على الهدوء.
وقال إن الفصائل أدركت بعد الخرق الإسرائيلي لأسرار حزب الله في لبنان، والاختراق الإسرائيلي الذي ظهر في الضربة الأولى التي وجهت إلى إيران، أن الحرب أكبر من قدرات الفصائل. ولفت المتحدث إلى أن السلطات العراقية أحبطت ثلاث محاولات لهجمات كانت تجهزها جماعات منفلتة ضد إسرائيل.
الامتحان السابق للعراق كان حين سقطت حلب بيد هيئة تحرير الشام. يومها شجعت إيران حلفاءها العراقيين على مساعدة الرئيس بشار الأسد. عقد ائتلاف إدارة الدولة العراقي الذي شكل الحكومة الحالية، اجتماعا مغلقا بحضور كل مكوناته.
كانت بعض الفصائل راغبة في التدخل لأن توسع سيطرة الإرهابيين في سوريا سينعكس داخل الجانب العراقي من الحدود. لكن الفصائل كانت تحتاج إلى شحن أسلحة ثقيلة، وهو أمر متعذر في ضوء سيطرة إسرائيل على الأجواء.
طرح عندها اقتراح أن يتولى الجيش العراقي نفسه هذه المهمة. لفت حاضرون إلى خطورة الخطوة، وأن المشاركة قد تعيد إطلاق النزاع السني - الشيعي على أرض العراق، وتحمل خطر تصدع مؤسساته والتسبب في طلاق بين بغداد وأربيل. في ختام الاجتماع الصعب، غلب خيار الاكتفاء بالتحرك الدبلوماسي والإعلامي.
بذلت بغداد جهودا أخيرة لإقناع بشار الأسد بإعلان موافقته على الاجتماع برجب طيب إردوغان، لكنه تمسك بموقفه الرافض مكتفيا بالموافقة في اليوم الذي سبق مغادرته على اجتماع في بغداد على مستوى وزراء الخارجية. لكن الأمر جاء متأخرا وبعد أن كتب ما كتب.
اختصر مراقب عراقي المحطة السورية على الشكل الآتي: «لم تذرف القوى السياسية في بغداد دموعا كثيرة على نظام الأسد. فهو بعثي، والنظام العراقي الحالي قام على أنقاض أهوال البعث. ثم إن الرجل الذي خاف أن يكون نظامه الهدف الثاني لأميركا بعد نظام صدام حسين، مسؤول عن إراقة دماء آلاف العراقيين. أدخل نظام الأسد إلى العراق آلاف المتطرفين الذين ارتكبوا العمليات الانتحارية والتفجيرات والمجازر».
لكن الرجل يوضح أن «رؤية أحمد الشرع جالسا على كرسي الأسد لم تكن مريحة على الإطلاق للفصائل في بغداد التي لم تنس حتى الساعة، أنه أمضى سنوات في سجن عراقي قبل أن يتولى الغرب إعادة تأهيله».
قال أيضا إن «الحكومة العراقية تعاملت بواقعية مع التغييرات. هناك تنسيق أمني ولقاءات على مستوى وزراء الخارجية. ثم إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني التقى الشرع في الدوحة وتعرض لانتقادات. يمكن القول إن بغداد تراقب سياسات الشرع الذي يصعب توقع رؤيته قريبا في بغداد على رغم زياراته إلى عواصم قريبة وبعيدة».
تراقب بغداد خصوصا ما يتردد عن أن الشرع اتخذ قرارا بالخروج من النزاع مع إسرائيل. تعرف أن داعمي الشرع إقليميا ودوليا يريدون منه منع عودة إيران وحزب الله إلى سوريا، وإخراج سوريا من قاموس النزاع مع إسرائيل. والنقطة الأخيرة ليست بسيطة على الإطلاق.
نجا العراق في الشهور الماضية من استحقاقين صعبين؛ هما سقوط نظام الأسد والحرب الإسرائيلية - الإيرانية. في صيفه الحالي الحار، بدأت في الهبوب رياح الانتخابات النيابية المقررة في نوفمبر المقبل. وتقول التجارب إن حروب الانتخابات في العراق ليست سهلة على الإطلاق. ومثلها الحروب داخل نادي رؤساء الوزراء، خصوصا أن السوداني أكد للشرق الأوسط أنه سيخوض الانتخابات. وواضح أنه يأمل في استكمال ما بدأه في ولايته الحالية.
استحقاق الانتخابات قائم وحاسم، ويأمل العراقيون ألا تشتعل النار مجددا في الجوار الإيراني فيجد العراق نفسه أمام ما هو أخطر وأصعب من الانتخابات النيابية.

ترددات نوا

  • الأكثر قراءة
  • احدث الاخبار
Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group