الصراع الرئيسي بين المحاصصة و المواطنة

د. مهندالبراك

07/12/2019

فيما اعادت انتفاضة تشرين/اكتوبر بأيام معدودات و بقوة، الروح العراقية القائمة على الوحدة الصلدة للتنوع العراقي، بعد ان كسرت حاجز الخوف والصمت الذي استمر ستة عشر عاماً، التنوع القومي والديني والمذهبي والثقافي المتفاعل الذي شكّل الاساس في قدرة الشعب العراقي على التغيير.

داعية الى استلام الكفوئين النزيهين، الحريصين على مصالح البلاد، استلامهم للمهام الحكومية ممن تزخر بهم البلاد، وعلى اساس المواطنة والإنتماء للهوية العراقية، بغض النظر عن الانتماء الاثني والديني والمذهبي والطائفي وسواء كانوا رجالاً او نساءً.. داعية الى الغاء نظام المحاصصة اللادستوري، الذي صار وكأنه هو النظام الحاكم.

في وقت يشير فيه العديد من المتابعين و الوجوه الاجتماعية، الى ان المحاصصة اتُّخِذَت اثر سقوط الدكتاتورية كعُرفٍ لا اكثر، بمعنى مشاركة كل اطياف الشعب العراقي في الحكم للوقوف امام نزعة احتكار السلطة الدكتاتورية المنهارة، وكبديل لنزوعها الى الاعتماد على (طائفة سنيّة) واحدة حمّلها حينها اسم (الطائفة المنصورة).

ويشير آخرون الى ان اتخاذ ذلك العُرف، جاء للوقوف امام نزعات الاحتكار والهيمنة على كل الحكم اثر سقوط الدكتاتورية، الهيمنة من قبل (احزاب التيار الاسلامي الشيعي المعارض لصدام) باطرافه، مستندة الى تحريض ودعم دوائر حاكمة في الجارة ايران لها، ضاربة عرض الحائط ارادة التيارات المعارضة الاخرى من كل انواع الطيف العراقي التي نشطت في معارضة صدام، وقدّمت تضحيات فلكية على طريق اسقاط الدكتاتورية.

وبانواع الخدع ووسائل العنف والصدامات الطائفية التي هدف القائمون عليها اما للعودة الى نظام الدكتاتورية، واما الى احتكار السلطة الجديدة لهم وحدهم بتوظيف (مظلومية الشيعة) و(البيت الشيعي) لذلك، فسارت احزابهم الى افراغ محتوى مشاركة الجميع، بالدخول خلسة وبالتهديدات وبمواجهة الاحتجاجات الشعبية بالرصاص وبانواع العنف المفرط، وسيطروا على مختلف مرافق الحكم بعد تطويع كتل المحاصصة لهم، باشراكها معهم وغض نظرهم عن انواع الفساد الاداري الحكومي وانواع السرقات وكومشنات العقود الحكومية الفلكية.

حتى صارت المحاصصة وبعبورها للكتل الطائفية، بالتشارك بالفساد والسرقات وبشتى الطرق، وكأنها هي الكتلة الاكبر في البرلمان القائم وفي اللجان والهيئات المستقلة وفي الدولة، وكأنها القاعدة الوحيدة للحكم، وصار رؤساء الكتل والاحزاب الحاكمة بقيادة حزب الدعوة وبالاستناد الى عنف انواع ميليشيات الحشد الحكومي/الايراني الطائفية والعائلية العشائرية المتخذة من اسم الحشد الشعبي غطاءً، حتى كوّنت ما دُعي بـ(الدولة العميقة) التي تحكم وتقرر سراً، التي جعلت من مؤسسات الحكم والانتخابات وكأنها واجهة كرتونية للحكم الفعلي، وفق تصريحات برلمانيين ومسؤولين سابقين، ووفق ماتتناقله وكالات انباء دولية مستقلة.

فادّت الى افراغ مؤسسات الحكم من جوهر وجودها، والى عدم قيامها باعمالها لتحقيق ما انتظره الشعب منها (لعدة اسباب على رأسها الفساد وسباق الرشاوي)، حتى ضاعت انواع الخدمات اليومية من الكهرباء والماء الصالح للشرب، والى الحق بالعمل والصحة، وحقوق اجيال عديدة بالعيش الكريم في وقت تصاعد فيه الفقر الى درجات لم تعشها من قبل البلاد التي تعتبر من اغنى بلدان العالم.. وضاع الوطن!!

وفيما ادّت انتفاضة تشرين البطولية الى كشف الكثير من مساوئ نظام المحاصصة القائم والى التأكيد على وجود من يتصدى له، تحدّث ويتحدّث منتفضون في وسائل الاعلام الداخلية والعالمية على ضرورة الغاء نظام المحاصصة القائم الذي شكّل ويشكّل الاساس القوي للفساد والطائفية المقيتة.. ويدعون الى الالتزام الدستوري بالسير على طريق التبادل السلمي للسلطة، الذي يؤكد عليه الدستور في عدة ابواب وفقرات.

في وقت ادىّ فيه نظام المحاصصة المقيت، البعيد عن التمثيل الحقيقي للشعب مصدر السلطات، ادىّ الى خسارة النظام الحاكم لثقة الشعب بالانتخابات وفق قوانينها التي اعتُمدت والذي يعني خسارته للشرعية الدستورية، بل وان اعتماده على العنف المفرط لمطالب المتظاهرين ومواجهته لهم بانواع العنف والاختطاف والتعذيب والخدع، راح ضحيته اكثر من 500 شهيد و20 الف جريح ومعوّق وفق احصاءات لايرقى لها شك، في اكثر قليلاً من شهر واحد حتى الان، نظام لايمكن ان يكون في الواقع الاّ نظاماً دكتاتورياً قد يفوق دكتاتورية صدام البائدة.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group