والريح لا تجري بما أشتهي

علي السوداني

25/02/2020

شاهدتُ اول البارحة، شريطاً سينمائياً رائعاً، بطله الممثل المبدع شين كونري.

في لقطة من الفلم قال كونري، أنه يلبس جواريبه بالمقلوب كي يجلب الحظ ليومه.

قلّدتُهُ اليومَ وخرجتُ لحضور أمسية شعرية، أصرَّ صاحبها على اصطحاب عازف عودٍ ماهرٍ ووسيم، قد يساهم في تعديل وترميم بعض سقطات القصيدة، ويجعلها رنّانة طنّانة تعجب السامعين، وتزيد من حماسة وحرارة الأكفّ المصفقة على وشل النفَس الأخير.

بباب القاعة ثمة شحاذة قتلت نفسها، كي تأخذ من جيبي الشحيح ليرةً.

مع متعة الشعر وجمال العزف، لصقَ بوجهي صديقٌ عتيقٌ، كان قد تناول ربعَ طنِّ من الثوم البلديّ القح، وقصّ عليَّ سبعين نكتة فيسبوكية مستعملة.

انتهت الواقعة بمجزرة ضخمة من القُبَل، بين الشاعر والمريدين والمريدات، مع مشاركة لافتة لأناسٍ غاوين عاشقين مذهولين، رشّوا على خدود الشاعر والعازف، زخّاتٍ من بوسات ساخنات جادات، غير مكترثات بتحذيرات الشاشات المستمرة، والعواجل التي تتحدث عن فايروس كورونا اللعين، وتطلب من الناس تجنّب التقبيل بكلِّ صنوفه، وغسل اليدين والرجلين، ولبس القناع المكمم للخشم وللفم، وما تيسر من أثاث الوجوه البريئة.

أمّاما تبقى من أول الليل، فكان من حصة سائق التكسي الذي أقلّني الى تمام باب الزقاق.

كان انساناً رائعاً لا يشبه السوَقةَ الآخرين. صوت عبد الحليم حافظ ينساب رحيماً سلساً شاجناً لذيذاً، وهو يؤدي واحدة من روائعه الكثيرات "ضَيّ القناديل والشارع الطويل".

كانَ المنظرُ شديدَ الوضوحِ، ليسَ بسبب القنديل الباهت الذي يقف على ساقٍ طويلةٍ نابتةٍ بباب الدار، بل بنعمة ذلك القمر الجميل المكتمل، الذي يكاد يلم سُرأسَ البناء المهجور القائم بمفتتَحِ الزقاق، مثل حارسٍ اسطوريٍّ مجرورٍ من ملحمةٍ منسية.

انقطعَ المطرُ تماماً، فصارَ البردُ من الصنف الذي يعضُّ العظمَ وينامُ ببطنِهِ.

سأنام الآن، في محاولة يائسة لقنص حلمٍ عزيز.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group