بالرغم من انها اجراءات استثنائية تحيل الى نزوع نحو قوانين طوارئ كونية مفروضة على البشر في كل مكان ، إلا انّ ما تقوم به منصات التواصل الاجتماعي في تويتر وفيسبوك في ملاحقة ما تسميه الاخيار المضللة والمزيفة الخاصة بفيروس كورونا المستجد جهد يستحق الوقوف عنده ، منهاً لزيادة حالة الهلع والتضليل والتسويق لنظريات ومواقف لاتمت بصلة الى الواقع وقد تكون مكانها الطبيعي في سينما هوليوود. يبدو ان هناك جهداً استثنائياً في هاتين الشركتين الأشهر في العالم للتصدي للاخبار التي نجهل مصادرها الحقيقية وتنتشر أسرع من اي خبر صادر عن زعيم او حكومة وتتعب عليه قنوات وصحف كبرى، انّها صناعة اعلامية جديدة للافراد كان العالم في العقد الاخير فرحا بها كونها تأتي في سياق تحرر الانسان من احتكار الاجهزة الاعلامية واحتكاراتها للبث كل شيء ان انقلب على الضد من الفوائد المرجوة ، وهذا أمر مثير بحد ذاته. لكن الجهود المبذولة في فرز الصحيح من الزائف لم تكرس سابقاً لملاحقة الاخبار والبيانات الكاذبة التي تشجع على الكراهية والانقسام والتناحر والحروب بين الشعوب والاديان والمذاهب وحتى القبائل والعشائر . ولا تزال مواقع الشبكة العالمية تحتفظ بصور الطيارين الامريكان الذين كانوا يوقعون بعبارات بذيئة للغاية ضد الشعب العراقي وليس نظامه السياسي، على الصواريخ التي تحملها طائراتهم وهم يتجهون لقصف اهداف اغلبها خدمي ومدني في العراق . إنّ ما جرى الاصطلاح عليه بالحقد التاريخي بين الشعوب لا يتشكل من فراغ ، وانّما هو عملية تصنيعية دقيقة تنبري لها شركات دعاية واجهزة استخبارات من اجل بلوغ اهداف قد تكون آنية كالحروب القصيرة ، لكنها تترك آثاراً عميقة في جسم البشرية ، ولا تنفع في علاجاتها الدعوات نحو التضامن الدولي والسلام بين الشعوب واعلاء شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان . جميع الوسائل الاعلامية الفردية والعامة والحكومية في زمني السلم أو الحرب والمراسلات الشخصية العلنية بين البشر يجب أن تكون في مرمى المحاسبة اذا دعا أي منها الى قتل الشعوب بدعوى انحراف حكّامها وفساد أنظمتها السياسية ، فالمفاضلة بين الحكّام عسيرة وصعبة أصلاً . الفضاء الافتراضي بات ملوثاً ومثقلاً بالنفايات السامة ولابد من تنقيته ، تلك مهمة أصعب من فكرة اختراع وسيلة تواصل اجتماعي أو وسيلة إعلام عامة.