مشكلة ازدحام الشوارع في بغداد : بين الإجراءات الآنية وخطط تنفيذ مشاريع تطوير الطرق

بشار الحافظ

25/03/2023

بعد ان أصدر رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عدد من التوجيهات تتعلق بمشاريع الطرق، كثر الحديث حول مشكلة ازدحام المرور في شوارعنا واخذنا نسمع ونقرأ عنها الكثير من المقالات كتبها مختصين وغير مختصين شارحين أسبابها ويطرحون بعض الحلول لمعالجتها. لا بأس من ذلك، لأن الكل بلا شك يعاني نفسيا واقتصاديا من هذه المشكلة التي تراكمت بسبب عدم الأهتمام والأهمال في السنيين السابقة والتي تفاقمت في الوقت الحاضر بشكل لا يطاق. ولكيلا ندخل بالتفاصيل الفنية بخصوص جدوى هذه الاقتراحات الجزئية ، او الدخول بالتفاصيل التخطيطية والعلمية الصحيحة لمعالجة مشكلة الطرق والمرور والنقل في مدننا بشكل جذري؟ والتي لا يتسع لها مقال ينشر في موقع غير متخصص في مجال الطرق ، نركز في مقالنا هذا على تحليل مشكلة الازدحام التي تشهدها المناطق المركزية والتجارية في بغداد ومدننا العراقية الأخرى. ان جوهر المشكلة كما هو بادي للجميع هو ان الشوارع فيها أصبحت غير قادرة على استيعاب حركة المركبات التي تروم الدخول اليها لشتى الأغراض، وباستخدام تعابير التحليل الاقتصادي فان الطلب يفوق العرض، وكلما يزداد حجم الطلب زمانيا او مكانيا على العرض فان المشكلة تتفاقم مع الوقت. ونعني بزيادة الطلب هنا ارتفاع عدد وحجم الرحلات التي تروم الدخول الى تلك المناطق بسبب التطور الاقتصادي للبلد وزيادة السكان وأرتفاع معدل ملكية السيارات للفرد، ونعني بالعرض طاقة واستيعاب الطرق للحركة بسرعة مقبولة وتوفر أماكن التوقف والوقوف وهو عرض ثابت لا بل متناقص عندنا بسبب تقادم واستهلاك الطرق وقلة الصيانة وعدم توفر الإمكانيات لأحكام السيطرة وتنظيم الحركة فيها بشكل علمي وكفء. وعليه لكي نزيل هذا الاختناق المروري لابد من أعادة التوازن بين العرض والطلب، وكيف يتم ذلك؟ يتم أعادة التوازن بين العرض والطلب اما بزيادة العرض او بتقليل الطلب لينسجم مع العرض او بكلاهما .بالنسبة الى موضوع زيادة العرض في مجال الطرق (وهو أجراء ايجابي) : تعمل الدوائر المعنية بزيادة الطاقة الاستيعابية للطرق والتقاطعات عن طريق انشاء طرق جديدة وتنظيم التقاطعات وانشاء جسور للسيارات وللمشاة ومواقف للسيارات او توسيع الطرق الحالية وأعادة تنظيمها بوسائل سيطرة الكترونية مركزية وغيرها ، وهذا موضوع يحتاج الى دراسات وإمكانيات فنية و مالية وإجراءات تنظيمية وقانونية ونشير هنا الى التوجه الذي أقدمت عليه الحكومة العراقية مؤخرا بالاعلان عن عدد من المشاريع لتطوير الطرق كمرحلة أولى ، وهو مشروع نثني عليه ولكن برأينا ان ذلك لايكفي لمعالجة مشكلة الأزدحام بشكل جذري ودائمي ، وايظا ليس من المتوقع ان تظهر ثمار ونتائج تلك المشاريع التي اعلن عنها للجمهور في المستقبل القريب ، وهذا يعني استمرار المعاناة لزمن قادم ليس بالقصير. هذا بالنسبة الى موضوع زيادة العرض، اما بالنسبة لتحديد الطلب على الرحلات في المناطق المزدحمة بما يتناسب مع سعات الشوارع المتاحة ، فهناك عدة طرق وإجراءات بالإمكان ممارستها لتقليل الطلب على الرحلات او تحديد الدخول للمناطق المزدحمة(وهو أجراء سلبي): نذكر منها وبإختصار طريقتان مجربتان لمعالجة المشكلة وبشكل سريع وبكلفة قليلة :
الأولى-بإعتماد طريقة المناطق المغلقة، وهي تحديد المناطق الأكثر ازدحاما من الناحية الجغرافية ووضع نقاط سيطرة للسماح في أوقات محددة لنوع محدد من المركبات للدخول اليها كالمركبات الحكومية ومركبات النقل العام والخاص وغيرها ومنع دخول بقية المركبات اليها وخاصة سيارات الصالون الخاصة التي لا تحمل ركاب مع السائق ، وكذلك تحديد بعض المناطق ومنها المواقع الدينية والتاريخية والتجارية المكتظة تخصص للمشاة فقط ويمنع دخول السيارات بكافة انواعها اليها . وهذا الأجراء مطبق بشكل فعال في كثير من المدن في العالم وفي بعض مدننا المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وبالإمكان توسيعه وتطويره ليشمل المناطق التجارية والمزدحمة في العاصمة وبقية المدن. وهو أرخص الحلول نسبيا ولا يحتاج نسبيا الى تخصيصات مالية كبيرة .
الثانية -بتطبيق النظام الإلكتروني للسيطرة على دخول المركبات للمناطق المركزية والمزدحمة وذلك بعمل بوابات الكترونية في مداخلها والسماح للدخول والوقوف في تلك المناطق للسيارات العامة ولسيارات الصالون الخاصة للسواق من حاملي البطاقات الممغنطة المسبقة الدفع لقاء تسعيرة محددة تتناسب مع حجم الازدحام وتتغير حسب تغير الطلب لكي تقوم مقام آلية السعر في الاقتصاد لتنظيم التوازن بين العرض والطلب. وهذا الأسلوب فعال ومطبق بنجاح في العالم في معظم المدن التي تشهد ازدحاما في المرور منذ ثمانينيات القرن المنصرم، ويسمى عالميا (نظام تسعيرة الطرق).
ان اعتماد أي من الطريقتين أعلاه يحتاج الى دراسة وتقييم من قبل جهات فنية وقانونية متخصصة قبل تطبيقه وستكون نتائج تطبيقها مباشرة وآنية لمعالجة الازدحام والتقليل من معاناة المواطنين وعدم الانتظار لحين اكتمال تنفيذ المشاريع التي أعلن عنها والتي ستحتاج الى زمن ليس بالقصير ربما لسنين قادمة لكي يتحسس المواطن المرهق نتائجها الإيجابية .ان تلك الأجراءات هي بلا شك تبدو كأجرءات سلبية ومؤلمة لكثير من اصحاب السيارات الخاصة ولكن تعتبر هي العلاج الجراحي الوحيد المتاح لأستئصال مصدر هذا الوجع اليومي الذي تفاقم بشكل لا يطاق بسبب اهمال الحكومات المتعاقبة .

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group