أعرف جايجيّا في باب المعظم ببغداد، شربت عنده قبل ست وعشرين سنة آخر أطيب استكانة شاي عراقية قبل مغادرة البلد الغالي ، لو سمع بخبر الاحتباس الحراري واتفاق باريس حوله ورفض الرئيس الامريكي ترامب التوقيع عليه ، لأشبعه لعنات ومسبّات .
وكنت قبله قد أدمنت شاياً في شارع الجامعة بالموصل ، يصنعه الجايجي من خلطة أربعة انواع من الشاي ، بينها نوع من شاي الحصّة التموينية الذي كان معروفاً بعلامته المجهولة المميزة، قبل غزو الامريكان العراق .
الاخبار تربط بين ترامب وسخونة الأرض وكارثة تخص زراعة الشاي في العالم ، وزادت على الشاي مصيبة تحدق بالقهوة أيضاً .فالمتوقع لدى العلماء بما يكاد يكون جزماً علمياً ، أن يتسبّب الاحتباس الحراري في انحسار مساحات الأراضي الصالحة لزراعة القهوة إلى النصف بحلول عام 2050، وأن تندثر بعض أنواع حبوب القهوة تماماً بحلول 2080.
إذا استمرت الحروب والاضطهادات العرقية والطائفية والاقتصادية والمعيشية في مختلف أنحاء الكوكب الساخن فإنّنا لا نستغرب الكلام عن بداية انقراض أصناف سكانية أو لنقل بشرية أو أنواع من الدول الصغيرة أو المتوسطة في هذه القارة أو تلك .
الصورة تبدو في جانب منها مرعبة ، وفي جانب آخر كاريكاتيرية ، لكن الاساس في الصورة انها موجودة وتتشكل ملامحها بقوة ، وان العالم تحكمه ارادات التدمير قبل التعمير في كل شيء . حتى الغذاء الزائد في الدول الكبرى يرمى في البحر طنّاً بعد طن لكي لا ينكسر سعره في السوق العالمي .
الكرة الارضية ليست على ما يرام ، ليس بسبب اننا لن نشرب الشاي بعد خمسين أو القهوة بعد ثمانين سنة ، ولكن ربّما لأنّ الجايجي في باب المعظم والجايجي في شارع الجامعة لن يكونا في مكانهما الدافئين في ذلك الحين .