أربعة أيام من سنتين

زيد الحلي

05/01/2020

اليومان الاخيران من السنة المنصرمة  2019 ومثلهما من السنة الجديدة 2020 قضيتهما في اربيل، في سفرة سياحية مع عوائل كريمة.. انطلقنا من بغداد فجرا.. الهدوء عم جو الحافلة بقيادة الخبير السياحي ”ابو مصطفى”، فالنعاس كان سيد الموقف.. وما ان دخلنا مدينة الخالص، حتى دبت اصوات بعض المسافرين تعلو شيئا وشيئا، تعلن عن انزعاجها من الاخاديد والتعرجات التي حفل بهما الشارع الحيوي الذي يربط بغداد بالمحافظات المتوجهين اليها، فقد لاحظنا مرارا ان حافلتنا اصبحت وجهًا لوجه مع شاحنة ضخمة، ترك سائقها مسار الرجوع المخصص له بسبب تلف الشارع، وعدم صلاحيته للسير، وتحول إلى مسار الذهاب، ولا ينتهي المشهد إلا بانحراف أحد السائقين مع تخفيف السرعة قدر الإمكان لتجنب الاصطدام، أو الانقلاب نتيجة النزول إلى الطريق الترابي، وهي لحظات  حرجة عشناها اثناء السفرة ، لكن نباهة سائق الحافلة ” سلمان ” كانت حاضرة والحمد لله.

واستمرت الاصوات الشاكية من حالة الطريق الذي يذكرك بأطلال مدن بائسة، حتى دخلنا حدود مدينة اربيل، فتغيرت الاحاديث، لتشيد بالطرق الحديثة، التي ضمتها شبكة من الانفاق والمجسرات ذوات الهندسة الرائعة، والانارة ولوحات الدلالة والارصفة.. باختصار كأننا دخلنا حدود دولة اجنبية!

ولولا فكاهات وتعليقات رفيق السفرة العزيز (ابو طيبة) لتحولت اجواء الحافلة الى آهات مسموعة، تشير الى حجم المعاناة التي تعيشها نواحي وقرى مررنا بها قبل ان ندخل مدينة اربيل.

وبعيدا عن اجواء سفرتنا، اجد نفسي مرغما على  توجيه عتب الى امانة بغداد ودوائر الطرق في المحافظات التي مررنا بها، عتب مقرون بعدد من الاسئلة، آمل ان تضعها  الدوائر المعنية امامها، لاسيما نحن في بداية  سنة جديدة، فمن المعيب ان تكون شوارعنا ومدننا المحاذية الى الطرق الدولية، بحالة مزرية، لا تليق باسم العراق وتاريخه..

وأبدأ بهذه الاسئلة: لماذا تقوم الدوائر البلدية بأعمال ترقيعية، وهي تعرف مسبقا ان عمرها لا يدوم اكثر من شهرين على اقصى مدى؟ ثم تتحول الى ركام بصري مقزز تجعل المواطن، يلعن يومه… لماذا؟

اين الارصفة التي تتيح للمواطن السير الآمن؟ اين الدوائر الصحية من بائعي اللحوم في الفضاءات المتربة وماشيتهم ومخلفاتها؟ اين التنسيق في مجال تكدس حافلات النقل الصغيرة والكبيرة في الشوارع حتى اصبح في كل زاوية ومنطقة (مرأب)؟ اين حوضيات المياه التي كنا نراها يوميا في سالف الزمان وهي تقوم بتنظيف الشوارع في ساعات خلو المارة، وكما شاهدناها في اربيل؟ لماذا تختفي مظاهر شرطة المرور بين مدن واقضية المحافظات، بالعكس تماما مما لمسناه بين نواحي واقضية اربيل؟ ألم يكن من الضروري، انشاء مستوصفات صحية متنقلة تقوم بإسعافات اولية حيث تكثر الحوادث في الشوارع البائسة.. وهناك مئات من الاسئلة التي ينبغي التوقف عندها، فقد زادت علامات الاستفهام حول اسباب الرقي في اربيل والسليمانية ودهوك، فيما زادت مناظر الخراب في المدن الاخرى.. لماذا؟

لن احسدكم احبتي في اربيل ودهوك والسليمانية، على مدنكم الجميلة وحركة الاعمار التي شاهدتها ولمستها، لكني ارثي حال محافظات اخرى في وطني، زادت فقرا وخرابا.. وصح القول: توجد مدن نسكنها، واخرى تسكننا.. ومثال ذلك، وجدت في  مدينة اربيل كثافة سكانية وحركة دائبة، لكني لم اسمع ضجيجا وازعاجا مروريا.. وتلك اهم المظاهر الراقية، فالحركة الفاعلة في الحياة والبناء، الى جانب نعمة الهدوء، احدى اهم مستلزمات الحياة في مدينة فيها هندسة التناسق، ودقة التنظيم..

واخيرا.. اقول: ان العراق، بكل ارضه هو أجمل قصيدة شعر في ديوان الكون.. فهل انتبهنا الى هذه الحقيقة؟

[email protected]

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group