انقلاب ولكن أين؟

فاتح عبد السلام

08/01/2020

على‭ ‬العكس‭ ‬مما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬”الهرج‭ ‬والمرج”‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬فإنّ‭ ‬العناية‭ ‬الامريكية‭ ‬بوجود‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬درجاتها‭ . ‬
إنّ‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬أمريكا‭ ‬بالعراق‭ ‬اتفاقية‭ ‬شاملة‭ ‬وليست‭ ‬أمنية،‭ ‬كما‭ ‬يجهل‭ ‬بعضهم‭ ‬،‭ ‬وانّ‭ ‬مثالاً‭ ‬واحداً‭ ‬يوحي‭ ‬بحجم‭ ‬التعاون‭ ‬الذي‭ ‬لافكاك‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬بثمن‭ ‬غال‭ ‬لاقبل‭ ‬للعراق‭ ‬به‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الشلل‭ ‬والتدهور‭ ‬والتبعية‭. ‬وأبسط‭ ‬مثال‭ ‬هو‭ ‬طائرات‭ ‬أف‭ ‬16‭ ‬الامريكية‭ ‬التي‭ ‬اشتراها‭ ‬العراق‭ ‬لكن‭ ‬العقد‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬صيانتها‭ ‬وادامتها‭ ‬وتجهيزها‭ ‬بيد‭ ‬الجانب‭ ‬الامريكي،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬ستتحول‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬المتطورة‭ ‬الى‭ ‬مجرد‭ ‬خردة‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬صيانة‭ .‬
من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإنّ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الامريكية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتفاهمات‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬ومنها‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص،‭ ‬لاتتيح‭ ‬لواشنطن‭ ‬خيار‭ ‬التراجع‭ ‬الفوري‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الاسباب،‭ ‬بل‭ ‬انّ‭ ‬الرد‭ ‬والمطاولة‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الامريكية‭ ‬ذاتها،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يذهب‭ ‬به‭ ‬التوهم‭ ‬الى‭ ‬أنّ‭ ‬كلاماً‭ ‬انفعالياً‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ترضية‭ ‬مصلحية‭ ‬فئوية‭ ‬وجزئية،‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬نسف‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الوجود‭ ‬الامريكي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لاسيما‭ ‬وتحديداً‭ ‬بعد‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬حكومة‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬ومنحت‭ ‬للأمريكان‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحلموا‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬أرادوه‭ ‬فعلاً،‭ ‬وهي‭ ‬تزف”‭ ‬البشرى”‭ ‬للعراقيين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬لا‭ ‬يدرون‭ ‬بما‭ ‬يدبر‭ ‬لهم‭ ‬،‭ ‬غارقين‭ ‬بموجات‭ ‬من‭ ‬التفجيرات‭ ‬والضحايا‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدنهم‭.‬
لم‭ ‬تعد‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الالعاب‭ ‬البهلوانية‭ ‬من‭ ‬الاقطاب‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بالامريكان‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2003‭ ‬وسهلت‭ ‬لهم‭ ‬مهامهم‭ ‬،‭ ‬واعتقلت‭ ‬ونفت‭ ‬واستباحت‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬انها‭ ‬قوات‭ ‬احتلال‭ ‬،‭ ‬وروّجت‭  ‬تلك‭ ‬الاقطاب‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬بحماس‭ ‬وثقة‭ ‬لمصطلح‭ ‬القوات‭ ‬الصديقة‭ . ‬فعلاً‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل،انقلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الساحر‭ .‬
نعم‭ ‬،‭ ‬هناك‭ ‬اليوم‭ ‬انقلاب‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬الاقطاب‭ ‬لتغيير‭ ‬البوصلة‭ ‬،‭ ‬والسير‭ ‬في‭ ‬المحور‭ ‬الايراني‭ ‬ضد‭ ‬المحور‭ ‬الامريكي‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬تغييرات‭ ‬هيكلية‭ ‬داخلية،‭ ‬قد‭ ‬تلحق‭ ‬الاذى‭ ‬بحركة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬الشعبي،‭ ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬تدمير‭ ‬استراتيجية‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬لاتزال‭ ‬تتمسك‭ ‬بشرعية‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬أصلاً‭ .‬

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group