غياب الموقف الرسمي

علي يوسف الشكري

12/01/2020

يقيناً أن وزن الدول متباين في كفة العلاقات الدولية، والكبير لا يولد كبير كما الصغير، ومثلهما القوي المهاب والضعيف المستكين، فالكبير  يحث الخطى ويخلق العلاقات ويجري الاتصالات، في كل أزمة موجود ليس بالضرورة طرف ولكن غالب ما يكون وسيط، يتنقل بين هذا وذاك ليتبؤ المكان ويكون الكبير الذي تشخص اليه الإبصار.

وليس ايسر من ان تكون ضعيف تتلاقفك الامواج وتعصف بك الملمات، في كل أزمة حاضر إن لم تكن طرفاً بعينه في النزاع فاراضيك مستباحة وكثير ما تكون منطلق العدوان وربما العمليات العسكرية، ولا بأس في أن تكون ارضك الأرض المحايدة التي يجري عليها النزاع، وليس لك الا الرضا والطاعة، وهذا شأن كل ضعيف، وبالقطع أن الدول تبحث لاهثة وراء الضعاف ليس حباً وكرامة وذوداً ودفاعاً، ولكن بقصد الاحتلال والهيمنة وبناء القواعد وتخريب الاقتصاد، وتحويل الضعيف سوقاً تستهلك ويجلس ينتظر القادم من خيرات الدول، وهو يدعم المستورد، استقبالاً وإعفاءً كمركياً و ضريبياً، بل يفرد للمستورد ما يناسب المكانة والاحترام، قيمته من قيمة مصّدره، ويحدثونك عن السيادة والاستقلال ووطنية القرار وخطط البناء والتشييد!!!!! واللافت في الضعيف أنه يذهب متناسياً بل متنازلاً حتى عن المستباحات والحقوق الممنوحة له دولياً بقصد الحماية وتأكيد الحق باعتباره عضواً في المنتظم والمجتمع الدولي، فيقف صامتاً غير مندد في كثير  من الأحيان وأرضه يعتدي عليها وشعبه يقتل واقتصاده يخرب، ويبدو أن الأمر ليس كله سلمية وضعفاً ولكن اكتفاء بالتجارب والاتعاض بالغير والسلف.

ويبدو أن هذا ما آل اليه حال العراق، فبعد أن كان رائد التحرير في البلاد العربية والإقليم المحتل، وبعد أن علم العالم معنى الدستور ودولة المؤسسات، وتربع على عرش الصدارة بين أشقاءه وهو يشارك ويؤسس ويبني المنظمات العربية والإقليمية والأممية، يدافع ويدفع ويساعد ويذود ويحشد الدعم والموقف العربي والدولي، واذا بالكبير  ارضه مباحة وسماءه متاحة ومياهه مسربة وثروته مسروقه وسوقه مفتوحة، شعبه يقتل بالنيابة وزرعه يحرق بالوكالة، ثرواته تتحكم بها الدول وخيراته تتلاقفها المصالح، يشتري السلاح كي يقتل شعبه بعضه البعض، بعد إن تحول إلى ملل ونحل وأطياف واشياع، وفي كل يوم استهداف وضربة وقتل واغتيال، وهو لا يجرأ حتى على الشكوى وعرض الظلامة، ومخاطبة من كان مؤسس له بل وداعم ومتصدي، ويبدو أن ذلك كله من إنجازات التبعية لهذا او ذاك، وإلا فهل يعقل أن يُغتال على ارضه الضيف وابن الدار وكوكبة من الرفاق والمغتال يعلن أنه من قتل ونفذ، والمستوى الرسمي يقف صامتاً لا ذهولاً بالقطع ولكن ضعفاً وخضوعاً وذلة، فمن يهن يسهل الهوان عليه، واللافت أن المغتال ذاته يذهب متصلاً بولي دم الضيف لتطويق الأزمة وتحديد مدياتها ويدخل الوسيط ويجري الاتصال، ويتجاهل صاحب الأرض التي وقع عليها العدوان ويغض الطرف عن ولي دمه بل تذهب طائراته محلقة بارتفاعات منخـــــفضة منذرة وملوحة بالمزيد من العمليات وفي جعبتها حصـــد رؤوس قادة وأسياد قاتلوا وحرروا وذادوا ودافعوا ورو بدمائهم الأرض التي دنسها الإرهاب.

عجيب امركم قادة العراق توزعتم بين هذا وذاك كما توزع شعبكم بين مغلوب على أمره ممن قضى كل حياته يقاتل المستبد، وبين من راح شامت بما آل اليه حال العراق يدلل على عدم جدارة الحاكم الجديد، وجدارته بالعودة حاكماً وقابضاً ومذلاً ومستبداً، وهو دليل الوطنية، بل أن حقد الشامت دعاه للرقص فرحاً بقطف رؤوس قاتلت ودافعت وحررت وافترشت الأرض في لهيب الصيف وصقيع الشتاء، وهو خانع متواري مهزوم وبيته مدنس وأرضه محتل وماله مباح، الإرهاب والاستباحة والذلة الوافدة عنده اهون من حكم الشريك، ويحدثونك عن امتزاج الدم ووحدة الموقف وعظة التجربة والعرفان بالجميل، عجيب امرك من تدعي الانتماء للوطن وغيرك خائن! وأنت من بعت بالأمس القريب ارضك وبايعت شذاذ الأرض ممن اجتمعوا على ذلتك وقتلك واستباحة ارضك وعرضك من أفغانستان والشيشان ومن مشارق الأرض ومغاربها!

عجيب أمرك يا من تدعي الوطنية وغيرك خائن، وتدعي المواطنة وغيرك وافد، واهلك ومن تدعي الانتماء اليه لا يزال يفترش معسكرات النزوح التي تستبيحها امطار الشتاء ولهيب الصيف، ويقيناً أنك محق فيما تقول وتفعل وتشمت، فقد غادرت البلاد وتركت العباد وأوكلت لغيرك قتال من راح يستبيح الأعراض واكتفيت بالنفاق الإعلامي من منابر قبضت فخانت وغدت منصات لهدم البلاد، وبالقطع أن من باع نفسه يهون عليه بيع أهله وبلاده، ويحدثونك عن المصالحة والعفو عما سلف وتناسي الماضي والعظ على الجراح، والمسؤولية كلها يتحملها من أوصل البلاد إلى هذا الحال من الضعف والهوان، فالضعيف فريسة لا تتلاقفها الدول حسب ولكن من يدعي الانتماء أيــــضاً، فبلد قوي متصدي، يهابه الجميع دول وأفراد، وهي صنيعة قادتها ونتاج متصديها، تصلــــح بهم وتهان بهوانـــــهم، وللعودة مهاب ومحترم وقــــت ومتسع، ذكر لعل الذكر ينفع، وسيذكر التاريخ من اضعف وخان وأهان وتأمر وشمت، ومن قوى وحرر وقاتل وتجاوز وغفر، وتاريخ العراق الطويل الممتد مليىء بهذا وذاك.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group