مهازل السياسة

حسين الصدر

08/02/2020

-1- من الأمراض السياسية الفتَاكة داءُ الانحياز الحزبي، وترى صاحبه المسكون بحُبّ الحزب والانتصار له على كل حال، يُغمض عينيْهِ ويُصم أُذنيْهِ عن كل ما من شأنه الإضرار بمصالح الحزب الذي ينتمي إليه، والمهم أنْ لا تُمس مصالحُ الحزب بايّ درجةٍ من الدرجات ولا يهمه بعد ذلك ما تصاب به المصالح العليا للبلاد والعباد..!!

-2- انّ الذين ينتمون الى احزابٍ يؤمنون بمبادئها وأهدافها، ينطلقون من روح وثّابة تستهدف رفعةَ البلاد، وتأمين المستقبل الواعد للعباد، ولكنهم وفي غمرة ممارساتهم السياسية لاعمالهم، والتحديات التي يواجهونها قد لا يستطيعون الانفكاك – الاّ نادراً – من تغليب المصلحة الحزبية الضيقة على سائر المصالح الاخرى… وهنا – يكمن الخلل.

-3- ان معظم الحزبيين لا يرون العالَمَ الاّ من خلال منظارِ الحزْبِ الذي ينتمون اليه..!! ومعنى ذلك انهم ألغوا قراءة الواقع، بكل ما ينطوي عليه من تضاريس، وعوّلوا على النظرة الحزبية الضيّقة.

-4- انهم قد لا يختلفون على أنّ ”فلاناً ” هو الأكفأ والأنزه والأصلح، ولكنهم يخشون قوته وصلابته في تبني القضايا العادلة وبالتالي فهم لا يضمنون الحفاظ على مصالحهم، ومن هنا يتفقون على وضع العقبات والعراقيل في طريقه.

-5- لا بل قد يُقدّمون الأضعف من رجالهم لتسنم حقائب وزارية خطيرة لا لشيء الا لضمان تمرير ما يريدون تمريره عليه دون اعتراض..!!

-6- وهذا الداء المقيت لا يختص به بلد من البلدان دون غيره، وهو أمر مشهود حتى في أرقى البلدان وأكثرها تشدقا بالحفاظ على حقوق الانسان..

-7- وما جرى في الولايات المتحدة الامريكية مؤخراً من صراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، واصرار الديمقراطيين على محاكمة الرئيس الامريكي تمهيداً للوصول الى عزله، واصطفاف الجمهوريين وهم الاغلبية في مجلس الشيوخ الامريكي الى جانب صاحبهم، فوّت على الديمقراطيين فرصة الاطاحة بالرئيس.

ولقد شهد العالم كله ألوانا من الانفعالات والتشنجات الغريبة من قبل الرئيس الامريكي الذي تحاشى مصافحة رئيسة مجلس النواب خلال القائه خطاب حالة الاتحاد رغم انها مدّت يدها اليه..!! ثم انها هي الاخرى عمدت الى تمزيق الخطاب… انها مهزلة من أعظم المهازل السياسية وليس لها من سبب الاّ ذلك الداء الحزبي.

-8- ويصر الكثير من الحزبين العراقيين في هذه الأيام أن تكون الوزارة الجديدة طبق مقاساتهم، يفعلون ذلك بالرغم من ادعاءاتهم العريضة برفض المحاصصات الحزبية والطائفية، وكأنهم بعيدون عما يمور به الشارع العراقي من احتجاجات وفوران ونقمة على النظام السياسي الراهن، بكل ما ينطوي عليه من مفارقات ومواخذات.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group