البصرة تبحث عن بصريتها

زيد الحلي

16/02/2020

آهة، سحبت معها آهات، ثم علا الصوت في داخلي، ساخطاً، لاعناَ الزمن الذي اوصل ثفر العراق، البصرة الفيحاء، الى حالها اليوم.. كيف لمدينة شاهدنا صورها الفتوغرافية، وافلاماً سينمائية وثقت شوارعها وابنيتها، كفيلم ”البصرة ساعة 11” ومكتبة كبيرة تضم صحفها ومجلاتها العديدة ووثائقيات ثبتتها شركة نفط الجنوب ودائرة الموانئ، تتحول الى مدينة فاقدة لعطرها الشذي المعروف عبر الازمنة، بعدما كانت مرتع الجمال والسكينة.. وبالأمس، حين عرضت الفضائية العراقية مسلسل (البديل) وهو مسلسل عراقي تم تصوير بعض مشاهده في البصرة اواسط تسعينات القرن المنصرم، لاحظتُ كم هي شوارع البصرة، جميلة، نظيفة، تحمل سمات الحداثة، ترى ما الذي قلب المعادلة، وحول المدينة الوديعة، الجميلة، مطمح الزائرين، الى مجرد ذكرى مدينة.. اين عشارها، شناشيلها، مسارحها، سينماتها، تلفزيونها، صحفها، متنزهاتها.. خشّابتها، طورها الغنائي، سمكها “الصّبور”، حلاوة نهر خوز وسوق الهنود.. و..؟

من المؤلم، ان تتحول البصرة، مدينة الاحلام، إلى مدينة طاردة للجمال، اكتظاظ عشوائي، اتربة، مجسرات على حساب جمالية المدينة، ازدحام خانق، مقتربات الساحات تخلو من التنظيم.. باختصار ان البصرة فقدت ميزاتها وارثها واسواقها الشهيرة وبساتينها وتمورها، فللمدن وجوه أيضاً، وشرايين تقطع، وذكريات تبتر وتشوه، لكن المخلص لتاريخ مدينته عليه المحافظة على روح محيطه، والسعي لبقاء الجمال العفوي والفطري للمكان، لاسيما ان للبصرة ملامح، وذكريات وآمالاً، ولكنها لا تبوح مثلما يبوح البشر، كونها تمثل امتدادا لأعمار ساكنيها الطيبين ”البصاروة” عبر اجيال، وهي مساحة غير محدودة لطموحاتهم وتطلعاتهم.. وعند اي زيارة الى البصرة اقول لمعارفي حين اعود، ان هناك مدنا تدخلها، فتنسى المدن الاخرى.. وهكذا هي البصرة!

اعرفُ ان البصرة، تحمل في داخلها اهلها وطيبتهم وتاريخهم، مثلما يحمل اهلها مدينتهم في قلوبهم، وان تاريخ المدن يبدأ عندما يفكّر الإنسان في مستقبلها، لأنه حينها فقط يبدأ بالعمل، وعندما يعمل الإنسان من أجل مدينته، فإن العالم كلّه يعمل معه.. فمرحى لليد التي تحمل خارطة اعادة الحياة المعروفة لبصرتنا، مدينة الخليل بن احمد الفراهيدي واضع علم العروض، والجاحظ صاحب كتاب الحيوان والسياب، شاعرنا الكبير.

ان مسلسل (البديل) آخر الشهود على البصرة الفيحاء، ميناء العراق الوحيد، يوم كانت مدينة حين تمشي في أزقتها وتعبر شوارعها وتحدث ساكنيها، فإن ماضيها الشامخ يسرد لك بثقة تاريخها المجيد، فمدينة بلا تاريخ هي مدينة بلا روح، والبصرة هي الروح، وهي أجمل قصيدة شعر في ديوان العراق..
[email protected]

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group