سباقان محمومان يجريان حاليا في اطار عملية تشكيل رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي لحكومته. السباق الاول هو بين القوى السياسية المسيطرة على العراق والتي تريد الوصول الى صيغة تضمن لها اكبر المكاسب في عملية تشكيل الحكومة ووزاراتها. اما السباق الثاني فيتعلق بعلاقة العراق مع الولايات المتحدة الاميركية وتحديدا في مجالي الامن والاقتصاد.
بالنسبة للسباق الاول ففي صدارته القوى الاكبر والاكثر تأثيرا وجميعها تمتلك اذرعا مسلحة طبعا. فالتيار الصدري الذي يكاد يحكم سيطرته على الساحة الشيعية له رؤيته ومطالبه من حكومة علاوي التي ما كانت لتبدأ خطواتها الاولى لولا دعم زعيم التيار مقتدى الصدر لعلاوي وتسميته له مرشحا من الشعب رغم رفض قطاع واسع من المتظاهرين لذلك. يبدو مفاوضو التيار الصدري اقوى واسرع من اي مفاوض اخر وقد رسموا الحدود الاولى لمطالبهم في المناصب الوزارية الاساسية ومناصب اخرى تسيطر فعليا على المفاصل الاقتصادية.
تأهل التيار الصدري لهذا الموقع المتقدم في السباق بعد ان اكتسب قوة جديدة حينما وضع حدا لتناقضه الجزئي السابق مع الرؤية الايرانية في ضرورة انهاء التظاهرات او كبح جماحها وعدم السماح لها باحداث هزة حقيقية في العملية السياسية وقواعدها. وقد اظهر التيار الصدري كما هو متوقع قدرة اكبر من الميليشيات الاخرى في السيطرة على الوضع الميداني. ورغم ان التظاهرات مستمرة الا انها تفقد الكثير من مواقعها وزخمها.
اما تحالف الفتح فله ايضا موقع متقدم في السباق. وبدلا من التنافس مع التيار الصدر فانه يخوض السباق في ظل التيار الى حد ما لكن حصة الفتح وجماعاته وميليشياته من الوزارات والمناصب تكاد تكون مضمونة.
هناك طبعا الطرف الكردي الذي اصبح منظما اكثر. فرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني ارسل رسائله الواضحة بخصوص موقفه من الحكومة ورفضه لان يتم ترشيح اي وزراء كرد من خارج الاحزاب المعروفة الممثلة في البرلمان وحزبه اكبرها. اما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وبعد ان راجت اشاعه ساذجة عن انه تخلى لعلاوي عن المناصب المخصصه له فقد عاد قويا مع اختياره لقيادة جديدة مزدوجة تتكون من بافل طالباني ولاهور شيخ جنكي طالباني وقد دخل سباق مفاوضات تشكيل الحكومة بسرعة. اما القوى السنية الضعيفة والمشتته فقد اعلن بعضها ممن اصبح ضعيفا جدا تأييده لعدم المشاركة والتخلي عن حصة المناصب التي ماكن ليحصل عليها اصلا بسبب ضعف تأثيره. اما الاطراف السنية الاخرى التي تعتقد ان لها تأثيرا فقد باتت تلوح باحياء فكرة الاقليم السني التي تضمن في حال تحققها حصة دائمة وثابتة في المناصب.
اما السباق الاخر فيجري في مضمار العلاقة بين واشنطن وبغداد.
فمنذ ان بدأت ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتنفيذ سياسة الضغط الاقصى على ايران كان موقع العراق في تلك القضية حرجا. وكلما ضيقت الولايات المتحدة من عقوباتها على ايران كلما اصبح المنفذ العراقي مهما بالنسبة لطهران واجراءاتها في التعامل مع العقوبات والالتفاف عليها. وكما اشرنا قبل صدور القرار بايام فقد قررت واشنطن تمديد استثناء العراق من العقوبات على ايران واستمرار السماح له بشراء الغاز الطبيعي والكهرباء من ايران من اجل استمرار توفير الطاقة الكهربائية. لم تشأ واشنطن ان توجه ضربة اقتصادية مبكرة لحكومة علاوي التي رحبت بتعيينه. لكن فترة الشهر والنصف ستكون فترة قصيرة جدا وغير كافية لكي يقنع العراق اميركا بانه يتحرك فعلا لايجاد بدائل لاعتماده على ايران في توفير الطاقة الكهربائية. انه سباق يجري بينما علاوي لم يكمل حكومته بعد. على اي حال قررت واشنطن ان تمدد استثناء العراق لكن الازمة مستمرة ومن الصعب رؤية الطريقة التي سيتعامل بها علاوي مع ملف بهذه الحساسية والصعوبة حتى لو اكمل تشكيل وزارته ومرت في البرلمان.
المسار الاخر لعلاقة بغداد مع واشنطن يتعلق بالجانب العسكري والامني. فولا ان حكومة عادل عبد المهدي اعلنت استمرار التعاون العسكري مع القوات الاميركية وابتعدت عن موقفها الاول المتمثل بالالحاح لتطبيق قرار البرلمان العراقي باخراج القوات الاميركية لتأزمت العلاقات وماكانت واشنطن لتمدد استثناء العراق من العقوبات. لكن الولايات المتحدة تريد من بغداد ان توقف ايضا عمليات الاستهداف والقصف الذي تتعرض له السفارة الاميركية والمواقع الاخرى التي تضم اميركيين، لا بل وتريد من الحكومة العراقية ان تحدد وتحاسب من يقف وراء القصف. ذلك ايضا سباق يجري بعيدا عن قدرات علاوي بتقديم ضمانات للادارة الاميركية.
سباقان يجريان اذن بطريقة متسارعة لن يدخلهما رئيس الوزراء الجديد الا متأخرا. لكن احداث و نتائج هذين السباقين ستحددان مصير حكومته.