الصراع الطبقي المميت: كورونا والقضية الاجتماعية.

د. مظهر محمد صالح

30/03/2020

يصعب على المثقف العربي ان لايقرأ للكاتب والأكاديمي العراقي المميز في العلوم السلوكية والتحليل الاجتماعي الاستاذ فارس كمال نظمي ولاسيما في رائعته الاخيرة التي جاءت تحت عنوان :
الوباء الكوروني...واسئلة في السياسة والدين ....!
اذ تظهر احداث الايام الماضية على تفشي الوباء ملامح التصرفات البشرية في المجتمعات المهمشة وتمتعها بدرجة عالية من وعي اللامبالاة ازاء خطر الموت من وباء كورونا ،وهي نفسها الطبقات التي اعتادت ان تتلقى الموت القصدي المبكر بخوف عالي من قوى البشر نفسه .اذ تبدل الحال لديها هذه المرة وكانها في نقطة الحرية point of liberty او لحظاتها لتمتلك هذه المرة السيطرة كقوى طبقية على الضرورات necessities المسببة للموت القصدي او الموت قبل أوانه في العمر الزمني للإنسان . وتظهر هذه القوى المهمشة اللامبالاة في هذا التحول الزمني السالب بانها الاكثر استعداداً لانكار الخوف من ظاهرة موت تاتي من اسباب وعوامل وبائية عشوائية طبيعية randomly طالما لاتتدخل فيها تلك الضرورات البشرية من القوى الطبقية التي ظلت تحصد حياة الافراد بالموت القصدي او الموت قبل أوانه بالفقر والقمع . فقد اعتادت القوى المهمشة طبقياً الخوف من قوى تمتلك الثروة والقوة وادوات الموت في آن واحد وتختار الزمان والمكان في مسك انفاس من تريد من العينة الاجتماعية كلها ،لتظهر عدم اكتراثها من الموت الطبيعي غير القصدي ،حتى وان كان وباءاً .فالسلوك اللااكتراثي للموت يجسد ان ثمة شعور جمعي ببلوغ تلك الطبقات لحظات الحرية وسعادة الانعتاق من ضرورات necessities بشرية (مفروضة من بنية طبقية ملموسة مسلطة) اي توافر درجات عالية من الحرية طالما ان التهديد بالموت قد انفلتت مصادره من إرادة مؤسسات بشرية تخصصت في صناعة الموت المبكر او القصدي صوب الطبقات الهشة .وبهذا فان القوى المهمشة امست الاقوى في اظهار إيجابيتها في اجواء الموت السالبة وعدم قلقها في تحدي قضية الموت المبكر هذه المرة طالما كانت مصادر الموت متأتية من قوى طبيعية هي خارج مصانع الموت القصدي الطبقي . وبالرغم من ذلك ستصاب القوة الطبقية المهمشة بضرورات الخوف مجددا إذا ما اتضح لها ان مظاهر الموت المبكر بات قصدياً ومتأتي من مصانع الموت البشرية ومختبرات الحرب البيولوجية. وفي الجانب الاخر من معادلات الموت العشوائي و عدم الاكتراث من مصادر الموت الطبيعي المبكر او القصدي طالما تتوافر شحنات من الشعور النفسي بدور القوى السامية غير المنظورة في قرار مسار الموت المبكر والحياة الى اخر مساراتها . فثقافة حصانة الروح البشرية وحمايتها من الموت واهمال الاهتمام بالموت
القصدي العشوائي امست اليوم عاملا مضافاً في تحديات وباء كورونا في المجتمعات المهمشة .فطالما تتوافر (شركة روحانية للتامين على الحياة فلا خوف من الموت المبكر او القصدي )لهذة القوى الطبقية المهمشة .
واخيرا ،لابد من العودة إلى القوى الطبقية المالكة لادوات الموت المبكر وقصدية الموت الطبقي للقوى المهمشة ،اذ انقلب وضعها النفسي والسلوكي ،فانها بالغالب الوحيدة التي تعيش اليوم الخوف المطلق من خطر الموت المبكر العشوائي early random death اي الخوف من خشية الوباء الذي يقنصها عشوائيا ويدخل معسكراتها قصدياً في سبيل الموت بلا أستئذان لكونها لاتملك قوة قرار الموت المبكر (غير المخطط )هذه المرة لتحمي نفسها .فضرورات الخوف التي وضعت على رقاب وأعناق الطبقات الهشة كما ذكرنا هي اليوم تنتقل لتوضع على أعناق ورقاب المستبدين الاجتماعيين ممن يخشون ظاهرة الخوف من الموت العشوائي . فقد استبدل وباء الكورونا مخاوف الموت العشوائي كظاهرة موت قصدية طبقية وتحويلها من القوى المهمشة الى القوى الطبقية المالكة صانعة الموت القصدي او المبكر نفسه.اي ممن لايفزعها موت الملايين بالموت المبكر القصدي ،طالما هي من كانت تمتلك بنفسها مصدر الموت وادواته الطبقية.ختاماً،فتبدل الضرورات nessiceties في قصدية الموت بين الطبقات من (الهشة الفقيرة )إلى (المالكة الثرية)قد جاء بفعل ظاهرة الموت العشوائي واستقلاليته في اختيار الضحية وتحوله من مجرد الاقتصار على الطبقة المهمشة التي كانت تخشى الموت القصدي الى مراكز بديلة تتمثل بالخوف من الموت العشوائي .وان هذا التحول قد جاء بسبب انتقال ادوات الموت من الظاهرة القصدية purposely المسلطة غالباً على الطبقات الهشة او المهمشة بالفقر والعوز الى الانتقال إلى ظاهرة الموت العشوائي randomly للطبقة المالكة والتي ستبقى تمتلك صناعة الموت القصدي نفسه وتهديد به مابعد كورونا post Coronavirus.
Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group