هل تصلح الكورونا ما أفسدته المحاصصة الحزبية والإرهاب؟

حسين الهنداوي

07/04/2020

قد يبدو السؤال مفارقة حزينة بذاته ومن كل الجوانب. فها هو فيروس كورونا البغيض يستفحل أكثر فأكثر من أي فيروس آخر في تدمير الحياة وفي كل انحاء العالم ليتجاوز عدد القتلى الذين صرعهم نحو مائة ألف قتيل حتى اليوم، وهو رقم في طريقه الى التصاعد السريع على مر الساعة نظرا الى ان عدد المصابين فاق المليون وربع المليون انسان الى الآن، وثلثهم في الولايات المتحدة الامريكية وحدها التي توقع رئيسها دونالد ترامب وصول عدد الوفيات إلى ربع مليون شخص في الأسابيع القادمة. ومع ذلك لا زالت مختبرات أكثر الدول تقدما تبحث دون جدوى عن ترياق او علاج او حتى مجرد تشخيص صائب ينهي هذه المصيبة او يحتوي تغولها على الأقل، بعد ان ثبت انها أخطر بكثير من مجرد أنفلونزا بسيطة او جرثومة سخيفة كما زعم ترامب في احدى شطحاته، كما انها أعقد من مجرد هلوسة او هذيان "يمكن محاربته باستخدام حمام الساونا وارتشاف كأس الفودكا" كما اقترح دكتاتور روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو. فالكورونا أكثر وأبعد من ذلك وهذا أضعاف المرات، ما يقلب الى كارثة وطنية وإنسانية أي اهمال او تسفيه للخطر كما تفعل بعض حكوماتنا او حتى هيئاتنا الاجتماعية او الدينية التي تخشى ان يغدو التحذير من خطر تفشي كوفيد-19 او اتخاذ إجراءات عازلة، اضعافا لسيطرتها وهيبتها المهزوزة أصلا. وكما فعل البيت الأبيض في عهد ترامب، فان الطغم الحاكمة في بلداننا والمتحكمة في مجتمعاتنا تعاملت مع التقارير التي تحدثت عن حقائق انتشار وازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا لدينا على أنها شائعات موجهة ضدها او مؤامرات عليها تستحق الردع والعقاب، وليس بصفتها كارثة صحية يصارع العالم كله لاحتوائها متخذا تدابير قاسية كحظر التجوال، وتعطيل الدراسة، وإغلاق الأماكن العامة، كالمتنزهات والمقاهي والمطاعم ودور السينما والمساجد، ووقف الرحلات الجوية واغلاق الحدود وغيرها.
وفي هذا السياق يأتي قيام السلطات المصرية بطرد مراسلة صحيفة الغارديان البريطانية في القاهرة أخيرا لمجرد أنها تحدثت عن حالات الإصابة بالفيروس في البلاد وفق ما طرحه تقرير معهد بحوث علمية وليس وفق ما تراه السلطات الرسمية. وكذلك الحال في انتفاض هيئة الإعلام والاتصالات العراقية الحكومية الغافية في العادة، لاصدار امر فوري بإيقاف عمل وكالة "رويترز" في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، وتغريمها نحو 21 ألف دولار، بتهمة انها خالفت لائحة قواعد البث الإعلامي، لمجرد انها نشرت أعداد للمصابين في العراق تنافي ما أعلنته منظمة الصحة العالمية حيث اعتبرت الهيئة الموقرة أن التعاطي بهذه الطريقة مع الوضع العراقي يهدد الأمن المجتمعي ويعرقل الجهود الحكومية الكبيرة في مكافحة انتشار الفيروس.
وفي الواقع، من غير المعتقد بان لدى الحكومة العراقية ما تتستر عليه او تخشى انكشافه بشأن مدى انتشار العدوى، لا سيما في فترة سقوط جدار الخوف لدى الشعب العراقي بفضل انتفاضته البطولية السلمية الحالية التي اعتمدت موقفا حضاريا يضاف الى مواقفها البناءة السابقة عندما أعلن المتظاهرون المطالبون بتغيير "النظام السياسي الفاسد المليء بالأخطاء والكوارث البنيوية"، تعليق اعتصامهم وتجمعاتهم الكبيرة بشكل مؤقت في بغداد والناصرية والبصرة وسواها من المحافظات الثائرة، نظرا الى وجود مخاطر جدية من انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد، وذلك إلى حين انتهاء خطره، مؤكدين في بيان ألقي في ساحة التحرير ببغداد: "من أساس مسؤوليتنا العقلية الواعية، ومن منطلق المسؤولية الوطنية والأخلاقية، نعلن تعليق التواجد جزئيا في الساحة، حيث لن تكون هناك تجمعات كبيرة، مع إيقاف كافة الفعاليات الخاصة بالمعتصمين من مسيرات ونشاطات ثقافية داخل الساحة وخارجها لحين انتهاء الأزمة" خرجنا منذ الأول من تشرين (نوفمبر/ تشرين الأول 2019) بحركة احتجاج.
كما أوضح البيان أن "المتظاهرين سيتفرغون لتشكيل فرق جوالة مهمتها تطهير وتعقيم كافة الطرق والمحلات في ساحة التحرير وخارجها"، ودعا البيان الشعب العراقي إلى "الالتزام بإجراءات الوقاية لحين احتواء الوباء والوصول لعلاج يقضي عليه"، مؤكدين في ذات الوقت أن "النظام الذي فشل طوال نحو عقد ونصف في كل اختبار وطني امنياً كان أو صحياً أو دبلوماسيا، يثبت الوقت يوما بعد آخر أنه ليس أمام العراقيين سوى التغيير السلمي الشامل، من خلال انتخابات مبكرة ومشاركة شعبية واسعة في ظل قانون انتخابي منصف".
والحال لم نفهم مبرر منع رويترز من العمل بينما هناك من الدلائل والإجراءات ما يشير الى أن وزارة الصحة العراقية تحركت بشكل أفضل من نظيراتها في دول عربية وحتى اوروبية كما ان الملاكات الطبية والتمريضية والأجهزة الأمنية والخدمية العراقية بذلت جهودا كبيرة في مواجهة تفشي الوباء رغم الظروف الصعبة التي تواجهها. بيد ان الأهم من ذلك هو كثرة مبادرات التكافل الاجتماعي بين السكان دون تمييز لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحظر وخاصة على المتضررين منه مباشرة وفي مقدمتهم محدودو الدخل واصحاب الاجور اليومية المعطلة اعمالهم ومصالحهم نتيجة حظر التجوال، ما جسّد مشاعر الاخوة الانسانية والوحدة الوطنية العفوية في ظاهرة جديدة افتقدتها البلاد طويلا من قبل وشارك فيها المغتربون العراقيون عبر اطلاق حملة تضامن واسعة، على مواقع التواصل الاجتماعي، لمواجهة تفشي الفيروس وفي التعبير عن رغبتهم في التطوع، من أجل حماية شعبهم من أخطاره.
فهل تسهم كورونا بإصلاح ما أفسدته الطائفية والإرهاب ؟
لا مكانة للسذاجة في بلوغ الأهداف الكبرى، ولا يمكن ترك اصلاح كل ما افسده الإرهاب والطائفية والمحاصصة الفئوية والفساد المستشري في الدولة العراقية للصدفة وقطعا لا يمكن تركه لفيروس مدمر مثل كورونا او غيره. بيد ان هذا الخطر قد يكون فرصة ذهبية لاعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية لكل حالة اعادة ناجحة أي نقدية بالضرورة. وكما ان هناك من يجدها فرصة لنقد النظام الرأسمالي المتوحش او العولمة او الأوربة او الحداثة وما بعدها، او توبيخ الأرض بإسم سماء بريئة منه، او تمجيد الدكتاتورية على حساب الديمقراطية والحريات والحقوق او التهديد بكوارث اقتصادية او مناخية مجهولة، فاننا نعتقد بإمكان استخدام التكافل ضد كورونا لتمتين مشاعر الوحدة المجتمعية في مواجهة تفاقم اخطار هذا الوباء وأيضا في مواجهة اخطار الدكتاتورية والمحاصصة والفساد والتخلف والإرهاب والتشرذم.
هناك وطن عراقي يحتاج مجتمعه الى مصالحة مع نفسه والى وحدة حقيقية بين دولة حديثة ومتقدمة وشعب متطلع الى الامام بثقة، وحدة تقوم على طي صفحات الماضي واستعادة الثقة بالتفس وبالمؤسسات، وعلى تأسيس تجربة ديمقراطية جديدة تقوم على العقد الاجتماعي ومرجعية الثقافة والأخلاق والضمير.
لقد ألحق العراقيون بتنظيم داعش الارهابي هزيمة عسكرية خالدة قبل سنتين، في نصر صفق له العالم بشكل غير معتاد، وكان المطلوب ان يتعزز ذلك النصر العسكري التاريخي بشكل عاجل ومستديم، ليس فقط باستئصال جذور الورم الداعشي من رؤوس أشخاص وجماعات من كل الطوائف ظلت قادرة على التخفي المرحلي او حتى التلون والتأقلم على المدى المنظور بأمل مجيء فرصة جديدة للانقضاض كالذئاب على المواطن الأعزل ثانية، انما ايضا، بالتقدم الواثق خطوات ملموسة بإتجاه اقامة دولة المواطنة والمؤسسات الكفيلة بضمان الوحدة العميقة لكل العراقيين دون استثناء او تمييز عبر ضمان مصالحهم الاقتصادية جميعا واحترام حقوقهم وحرياتهم الدستورية وكرامتهم وتطلعاتهم الانسانية بموازاة انقاذ اقتصادهم الوطني من طابعه الريعي اي المعتمد على النفط وحده بينما يمكن جلب موارد اعظم من تطوير الزراعة والسياحة لا سيما الآثارية التي يمكن للعراق ان يتميز بها على كل دول العالم. فلا هزيمة حاسمة للعقل الداعشي وقدرته على اعادة انتاج نفسه عاجلا ام آجلا، الا ببناء دولة حديثة تحصر السلاح بيد الدولة وتحترم حقوق المرأة وحقوق الانسان وحرية التعبير والحق بالاختلاف وترعى الكتاب والفنانين والرياضيين والا بهزيمة نظام المحاصصة الطائفية والحزبوية والفئوية، الذي هو مجرد مصنع للفساد اي مصنع لتدمير مستقبل الوطن والمواطن.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group