الشيخ جلال الحنفي.. في الذاكرة الرمضانية

زيد الحلي

26/04/2020

لا اعرف حتى الان ، طبيعة العلاقة التي تربط ذكريات الشهر الفضيل ، لاسيما في بغداد ، بالمرحوم الشيخ جلال الحنفي ، طيب الله ثراه ، مثلما لا اعرف سبب كتابتي الدائمة عن الحنفي ، في رمضان ، ربما لأن الوشيجة بينهما عميقة وقوية ، بحيث تجبرني على استذكارهما معا !
بداية ، اجد من المفيد ، ان اذكر ان  معرفتي بالحنفي تعود الى منتصف ستينيت القرن العشرين، وكانت معرفة بسيطة من طرفي انا  فقط ، وهي لم تتعد قراءة مسودات بعض مقالاته التي كان يرسلها من الصين الشعبية يوم كان معاراً لها  من العراق لتدريس اللفة العربية في جامعاتها ، الى صحيفة ” العرب ” البغدادية، مدرستي الحقيقية في ولوج عالم الصحافة وكان يحيلها أليّ مدير التحرير شاكر علي التكريتي، بهدف اختيار بعض الصور الأرشيفية، تدعيماً وتجميلاً لنشر تلك المقالات خصوصاً الأماكن التي يرد ذكرها في موضوعات رسائله مثل: المدرسة المستنصرية وشارع الرشيد وجامع الحيدرخانه وشخصيات مثل د. مصطفى جواد وسالم حسين وحسين امين وعزيز شلال عزيز .. الخ
وبمرور السنين ، وبعد عودته الى العراق ، كانت المعرفة تتوطد ، ثم اصبحت لاحقا واحدى احلى الطباع ، حيث كنت ازوره بين اونة واخرى، وألاقي في زيارتي ترحيبا عاليا .. كان حلو المعشر ، رخيم الالقاء ، محب للصدق ، يكره النفاق ، واجمل ما فيه حبه لبغداد،  فهو يعرف كل ما يخصها، وعندما أقول (كل) فأنني أعني الكلمة، وأعرف مدلولها اللغوي، إذ لم أساله يوماً شيئاً يخص بغداد او ظرف مر بها منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى أواخر ايامه، إلاّ وأجابني عنه بشيء من التفصيل الوافي، هو لم يعترف بالزمن، ويعتبره حالة من واقع الحال ولا ينبغي التعامل معه بالخوف منه، وكثيراً ما كان يردد بصوته المعروف أتركوا (الزمن) خلفكم وإذا لم تفعلوا ذلك فسيسبقكم ويلف حباله حول رقابكم ..!
واذكر ان نجله عقيل الفنان ، والمصمم الصحفي  ، المغترب حاليا في امريكا ، كان شديد العناد ، وفي احد المرات ، ترك عمله فجأة في صحيفة ” بغداد ” بعد منتصف النهار يوم كنت رئيسا  لتحريرها ، ، بينما نهيئ مواد الصفحة الاولى ، وعبثا حاولنا ثنيه عن ذلك ، وتأجيل قراره الى اليوم التالي ، لكنه رفض رغم كونه كان رئيسا للقسم الفني .. فلم اجد حلاً غير اتصالي بأبيه الشيخ الحنفي ، الذي اكد عليه العودة الى العمل فورا  واكمال تصميم العدد .. و قد تم حل الاشكالات لاحقاً  ، وعادت الامور الى نصابها ..
كانت احاديث شيخنا الحنفي في رمضان ، في المجالس البغدادية ، من اشهى واغنى واحلى الاحاديث ، لأن من طبعه مزج  المعلومة بالطرفة ، ويحاكي الحاضر بملحة التراث ..
وتسجل مفكرتي ان أخر نشاط للشيخ الحنفي، كان حضوره الحفل التكريمي الذي أقامه على شرفه السيد عبد الوهاب الحمادي، لمناسبة بلوغ الشيخ عامه الرابع والتسعين، ويقول الحمادي ان الشيخ الحنفي البغدادي حضر الحفل برفقة زميلنا عادل العرداوي وذلك يوم 27 كانون الثاني  2006 وتناول أكلته المحببة (الفسنجون) التي يشتهر النجفيون في إعدادها ..رحم الله الشيخ جلال الحنفي ، احد ابرز محبي رمضانات بغداد ..
 اخيرا .. دعواتي الى الرحمن الرحيم، ان يصّفي النفوس وان يجعل من هذا الشهر الفضيل شهراً لسد الحاجة والعوز والنقص المادي للأيتام والأرامل والمحتاجين، وان يطفئ نار فايروس كورونا اللعين، فالعراق لا يستحق ان يستقبل ابناؤه رمضان وفي افئدتهم غصة!

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group