فرصة للسلام

ساطع راجي

29/03/2018

قامت السعودية خلال الاسابيع القليلة الماضية بعملية جس نبض في علاقاتها مع العراق، ولأن العراق دولة تعددية سياسيا وفيها تغيير دوري للحكومات فإن العلاقات معها تدخل ربما عن طريق قوى ومراجع ومكونات وشرائح اجتماعية ولا تقتصر على القنوات الرسمية، ولذلك مرت المحاولات السعودية لجس النبض العراقي عبر اكثر من قناة، العراقيون كالعادة قدموا مواقف متطرفة سواء سلبا او ايجابا، فبينهم من صور السعودية شيطانا لا يمكن التعامل معه او القبول بعلاقات طبيعية تجمع بغداد والرياض وان لا بديل للحرب الا ركوع وتوسل سعودي ودفع تعويضات باهضة عن الاعمال الارهابية التي ارتكبها سعوديون في العراق، في المقابل طرف يريد تصوير المشاكل بين العراق والسعودية وكأنها ازمة عاطفية او زعل بين شخصين تنتهي بالعتاب وتبادل الزيارات والهدايا.

أول عقبة واجهت محاولة العراق والسعودية لتحسين علاقتهما البينية هي مشكلة التوقيت إذ جاءت المحاولة بالتزامن مع الموسم الانتخابي وما يرافقه من تحريض وتهييج، ورغم وجود محاولات ضعيفة لاستغلال الطائفية واجتثاث البعث في المعركة الانتخابية الا ان المناخ العراقي العام منشغل هذه المرة بالخدمات والمشاكل الاقتصادية وتبعات الحرب ضد داعش، لكن اصحاب الحملات الطائفية في الانتخابات يريدون تحويل العلاقة مع السعودية الى محور الانتخابات الاول لانه الاسهل في التحريض والتهريج ولا يحتاج الى برامج او مساءلة وينسجم مع منهج الاستعماء الانتخابي.

ملف المشاكل العراقية السعودية معقد لكن في كل الاحوال لابد من بداية للحل، الرياض ايقنت ان استقرار العراق بغض النظر عن رأيها في حكامه هو ضرورة امنية كبرى لها بعد تجربة داعش الصعبة كما ادركت ان قدرتها وقدرة اي دولة اخرى في المنطقة محدودة فيما يتعلق في التحكم بالعراق لكثرة اللاعبين الخارجيين والداخليين وتركيبة المزاج العراقي الصعب وبعدما اثبت ادعياء صداقة السعودية في العراق انتهازيتهم وتقلب مواقفهم بعد كل مرة يحصدون فيها دعم الرياض المالي، في المقابل لا يمتلك العراق ما يضغط به على السعودية ليفرض عليها تحقيق احلام المتعصبين والمتشنجين سواء كانوا صادقين او مجرد مدعين كذبة يمارسون التهريج كدعاية لمموليهم ولا يتبقى للعراق الا توضيح حجم الخطر الارهابي الذي يهدد كل انظمة المنطقة وما يزرعه في النفوس من احقاد لن تزول بسهولة واستغلال العلاقات بواشنطن للضغط على الرياض للجم المحرضين على الارهاب ومموليه.

الخطأ الشائع والراسخ والذي تحول الى قناعة هو ان العراق اما ان يكون ايرانيا او سعوديا، واستسلم الجمهور والساسة لهذه القناعة فلا تطرح قضية تحسين العلاقات العراقية السعودية الا وطرحت في سياق معاداة ايران واحيانا محاربتها والتخلي عنها كشريك امني واقتصادي ودولة جارة وصديقة في المقابل يعتقد كل اصدقاء ايران في العراق ان من واجبهم معاداة السعودية والتدخل في شؤونها، انصار ايران في العراق وانصار السعودية في العراق لا يريدون التخلي عن اعتبار العراق ساحة حتمية للمواجهة بين الدولتين الجارتين، وكل من الطرفين العراقيين يعتبر نفسه الخندق المتقدم لحليفه الجار.

جزء مما يحزن في هذا المشهد هم الصبيان العراقيون الذين ارتبطت معيشتهم بالتهريج الدعائي لصالح اطراف عراقية موالية للسعودية او لإيران، هؤلاء الصبيان المتثاقفون لا يمتلكون من حطام الدنيا وخبراتها غير حساباتهم الشخصية والوهمية على مواقع التواصل نموذج للفقراء الذين يحاولون الاعتياش على ازمة بلادهم، مثل كل مواطن يضطر للتجاوز على ارض الدولة للسكن في حي بائس غير نظامي وبلا خدمات، انهم اطفال الكارثة الذين ينامون في احضان الذئاب لجلب انتباه وعطف مموليهم حتى لو ضيعوا على بلادهم اي فرصة للسلام.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group