ليس بالضرورة أن تقوم كتل أو نواب في البرلمان باستجواب وزراء واستدعاء واجهات حكومية في أمر ما، وغالباً ما كان يحدث ذلك في العراق لأسباب سياسية واضحة، ليس لأنّ الوزير المستدعى بقضية فساد مثلاً ليس فاسدا، ولكن لأنّ الذي كان يستهدفه أكثر فساداً منه أو يساويه في الفساد. وهنا كان مسلسل التخريب تلاقح ويستمر في النماء تحت شعارات دستورية.
الحكومة الانتقالية الحالية ليس لها مجال رحب للحركة والمناورة في أي من الملفات المستحقة في ظل وقت محدود، أشك كثيراً في إنه يكفي لحل قضية واحدة مسطرة في الملفات الملتهبة . لذلك يبدو السبيل الواقعي هو ان تذهب الحكومة ذاتها حين فتح أي ملف لتنفيذه الى البرلمان ومكاشفته بإمكانات التنفيذ وتبادل المسؤولية معه في بعض القضايا.
غير إن هناك حذراً شديداً من أن تقع الحكومة التنفيذية تحت أهواء تيارات برلمانية مائعة ومميعة ، ما كانت يوماً من الايام تسعى أو تقبل بحسم ملف أساس من ملفات يطالب الشعب بها، وتلك مسؤولية أخرى في ادارة الدولة .
أما على الصعيد الخارجي، فإنّ الحكومة مدعوة لخوض الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة على نحو عميق وسريع وعبر اطراف حوار تضع مستقبل العراق في خلال ثلاثين سنة مقبلة على الطاولة .
من الواضح انّ هذا الحوار سيحتمل التشكيك من التيارات والقوى السياسية الرسمية وغير الرسمية فضلاً عن أغلبية الشعب الذي لم يرَ توجهاً أمريكياً مفترقاً عن التوجهات التي تعرفها ما بعد العام ٢٠٠٣ ، لذلك لابدّ أن يحظى الحوار المزمع بأعلى نسبة من المكاشفة والشفافية أمام الرأي العام ، وأن يتم ابلاغ الدول المجاورة والاقليمية بخيارات العراق الجديدة ودخوله مرحلة مختلفة في البناء والتكوين ، ولابد أن يتحقق فيها الانخراط السياسي الداخلي الكامل، كما ينبغي أن تنخرط دول عدة في اطار نتائج جهود الصياغة المستحقة لمرحلة عراقية تفترق عن المسار الغاطس في الطين والدم في خلال سبع عشرة سنة.