قتل القطاع الخاص والمشي في جنازته

سلام مكي

29/06/2020

افتتح الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية عمله بالحديث عن التضخم الكبير بأعداد الموظفين في الدوائر الحكومية، هذا الأمر الذي يعني إنفاق مبالغ طائلة شهريا لتسديد رواتب أولئك الموظفين. إضافة إلى أمور عديدة تناولها في حديثه الأول عبر وسائل الاعلام. ولم يكتف الناس بهذا العدد، بل إن الطلب على الوظائف الحكومية في تزايد مستمر، وهنالك أشخاص يدفعون مبالغ مالية طائلة كرشى في سبيل الحصول على وظيفة أو حتى عقد أو أجر يومي في إحدى دوائر الدولة.

لم يكن الناطق الرسمي باسم الحكومة أول من يطرق هذا الحديث، بل تحدث الكثيرون به، خصوصا رؤساء الحكومات السابقة والمسؤولون الحكوميون، في معارض الشكوى من كثرة أعداد الموظفين، وصعوبة تأمين رواتبهم في كل شهر. للأسف ما قيل ويقال الآن، صحيح، لكن الأشد أسفا، أن كل الذين تحدثوا بهذا الموضوع، لم يقدموا حلولا له، ولم يقرروا معالجة الأمر بطريقة قانونية سليمة، من شأنها تجنيب خزينة الدولة دفع ترليونات الدنانير شهريا، وجعل تلك الأموال تذهب إلى أبواب أخرى، يمكن من خلالها تشغيل المصانع، وبناء المدارس، وتأهيل محطات الكهرباء، رغم أن لدى رئيس الوزراء القدرة والامكانية اللازمة لمعالجة التضخم الوظيفي وجعل الطلب على الوظيفة العامة صفرا.

هذا كله في ظل راتب وظيفي لا يمكنه أن يحقق كافة متطلبات الموظف، بل هو مجرد وسيلة لتمشية الأمور، بعيدا عن الفقر والعوز. ففي ظل تصاعد المصاريف والاسعار وتعدد منافذ الانفاق، لا يمكن لأي راتب مهما كان كبيرا أن يصمد بوجه السوق، لكنه يمثل حلا أخيرا ووحيدا للمواطن، كي يؤمن قوت يومه، بدلا من الشكوى والتذمر.

كان على المسؤولين إيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من هذا المأزق الذي يتفاقم يوميا في ظل انخفاض أسعار النفط واللجوء الى الاقتراض من جهات ودول قد تكبل الاقتصاد بقيود كبيرة، ولسنوات طويلة. كان عليهم التفكير بطريقة ما، تجعل من الطلب على الوظائف والاعتماد على القطاع العام، لا وجود له في قاموس المواطن البسيط، ولعل أبسط موظف مختص في الادارة والقانون، يمكنه أن يجد الحل الذي يحتاج إلى إرادة سياسية وإدارية لدى الجهات المختصة.

إن الحل يكمن في إعادة الروح إلى القطاع الخاص الذي بقي أسير المزاج السياسي العام، فالحكومة والكتل السياسية التي تديرها، ونتيجة لمكاسب شخصية وحزبية، قررت إعدام القطاع الخاص، وإنهاء أي دور له في الحياة الاقتصادية، والسبب أن هذا القطاع عندما يعمل فإنه سوف ينتج سلعا وخدمات مختلفة، في حين أن الكتل السياسية المتحكمة بالقرار السياسي، لا تريد إنتاج أية سلعة مهما كان نوعها وحجمها، كي يتم استيرادها و... الحكومة وعبر موظفين صغار، عمدت ولسنوات طوال، قتل الاستثمار والمستثمرين، من خلال عرقلة أي مشروع استثماري بذرائع شتى، منها عدم وجود نص قانوني وطلب أمور تعجيزية في سبيل منح الموافقات على المشاريع.

إن الدولة عبر وزارة المالية أو البلديات، كانت تملك أراضي شاسعة في كل المحافظات، غير مستغلة من أحد. وبعيدة عن المدن، ورغم ذلك، فهنالك طلبات عليها من قبل المستثمرين، لكن الحكومة لا توافق على تلك الطلبات لأسباب شخصية وحزبية ومالية ومزاجية، فلو أطلقت يد الاستثمار، فانها سوف تستوعب أعدادا كبيرة من الخريجين والأيدي العاملة للعمل في تلك المشاريع، إضافة ذلك، فإن ما تنتجه تلك المشاريع من سلع وخدمات، يمكنها أن تكفي لسد حاجة البلد من الاستيراد وبالتالي، ستحتفظ بالعملة الصعبة داخل البلد، ولكن هذا لم ولن يحدث مادام القرار السياسي نفسه لم يتغير.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group