الصين بين كونفوشيوس وطه جزاع

زيد الحلي

12/07/2020

يعد المفكر والمعلّم الكبير “كونفوشيوس”  الشخصية الأهم والأقوى تأثيرا في تشكل وتطور “الثقافة المشتركة” و”الخصائص النفسية” لدى الصينيين. وليس هناك أية شخصية أخرى في تاريخ الصين تضاهيه، فلقد بنى فلسفته على ثلاث نقاط رئيسة: هي “الحُكم وفقا للأخلاق” و” مركزية السلطة “و” معارضة الاستبداد الفردي”  ووجدتُ في كتابات الزميل د. طه جزاع التي دأبت “الزمان” على نشرها اسبوعيا ، المادة الاكثر تفكيكا للفلسفة الصينية ، التي تربعت على مساحة النقاش عالميا منذ آلاف السنين ، بأسلوب فلسفي ، مغلف بتراكم الخبرة الصحفية ،  وعرض سلس لروحية الاطر العلمية ، ومناقشة ما كتب من دروس في الفلسفة الصينية ، بأنواعها ، وفق تنظيم منسق يجذب القارئ، ويضع الفكرة بشكل كامل أمامه ، من خلال البدء بالأهم ثم الأقل أهمية ، فالأقل ، وهذا اسلوب ، يبدو سهلاً ، لكنه الاكثر اعجازا في الكتابة ،  فهو يبعد الروح من الرواسب ، وينقي النفوس من اوهامها .. فالكلمة عند د. طه تدخل وتخرج بميزان من الحلوى !
 لكني هنا ، اسأل من زاوية فتح الابواب والشبابيك على فضاء ” الفلسفة” .. فهل هي حالياً ، مثلما كانت بالأمس ..؟
قديماً ( جداً ) كانت الفلسفة هي أم العلوم والأم الرؤوم التي تظلل بجناحيها على باقي العلوم ، بمعسول الكلمات  ، وضبابية الصور الحياتية  ، التي  تناغم سطح العقل ، دون عمقه ، وتلهيه عن الابداع ،   لكن اليوم ، الحياة تغيرت ، سمتها الواقعية والصناعة والجدلية المفعمة بالعطاء الجمعي للمجتمع ،  وتتقدم  بسرعة أكثر مما نتخيل ، وتجربة واحدة  فيها قادرة على أن تعلمنا أكثر من كل كتب الفلسفة .. وهذا ما لمسته من خلال ثلاث زيارات للصين ، وخلال تلك الزيارات شاهدتُ كيف يُكتب اسمي باللغة الصينية . لقد ادرك الصينيون في وقتهم الحالي ، كما اوضح لي من التقيتهم من مسؤولين وصحفيين في البلد الملياري ، ان الفلسفة  نقيض العلم، فهدفها المباشر الابهار والتأمل ، وليست الحقيقة والابداع ، وعندما ادارت الصين ظهرها عن الكلمات والطروحات الفلسفية ، تفجرت في عقولهم ابداعات اذهلت العالم ..
وبعيدا ، عن موضوعات العزيز د. طه جزاع ، وهي بالتأكيد  ثرية وممتعة ، آمل منه  ان يسمح لي ان ( اخوط ) بجانب ” استكانة ” الشاي ، واسأل : رغم عمق الثقافة الصينية ، لاسيما في جانبها الفلسفي، لكني ارى ان عالمنا العربي ، ينظر لها بحذر .. ولا ارى مبررا لذلك ، فالإقبال على اللغة الصينية، حاملة الثقافة الصينية، من قبل العرب، لا يزال ضعيفاً، بل ربما معدوما ، فيما ان الصينيين لديهم رغبة في ترجمة بعض التراث العربي، وهم ترجموا جبران خليل جبران مثلاً، في بداية ثلاثينات القرن المنصرم، ويترجمون الكثير من التراث العربي، لكن دولاب الترجمة العكسية لم يتحرك بعد، وما نقرأه عن الثقافة الصينية مترجم عن لغات أخرى، وكتّابه في غالب الأحيان ليسوا صينيين !
لقد شاهدتُ في بكين وشنغهاي ونانجين ووهان وغيرها من المدن الصينية ، مجلات عربية تصدر عن دور نشر حكومية  صينية ، وايضا هناك صحيفة عربية يومية تصدر في العاصمة الصينية ، أما متعلمو اللغة العربية فهم بازدياد، وهم بعشرات الآلاف، بعضهم يتعلم لغرض دبلوماسي والبعض الآخر للتبادل الثقافي..
 فهل الحضارة العربية ، اقل شأنا ، من الحضارة الصينية لاسيما في الجانب الفلسفي ؟

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group