أقصر الطرق لإسترجاع ما سُرق

طالب سعدون

23/07/2020

لم يذهب أسعد باشا العظم والي دمشق أيام العثمانيين  ( 1701 – 1757)  الى الرواتب أو زيادة الضرائب أو فرض جديدة  ، أو يكبل الولاية  بديون ، أو يقلل من  تخصيصات هذا القطاع أو ذاك ، بما يؤثر على مستوى الخدمات للمواطنين ، لكي يزيد الموارد ويحل الازمة المالية في الولاية  ..
صحيح إنه إستشار جماعة من حاشيته  ليقف على رأيهم – كما هي حال أصحاب الشأن اليوم في تشكيل اللجان – عله يجد لديهم ما يفيد البلاد والعباد من أراء سديدة  وحلول  ناجحة  لعبور الازمة الاقتصادية الخانقة ..
استمع اليهم  ، لكنه لم يأخذ برأيهم ، لان ما طرحوه   ربما كان أقل بكثير مما يأمل لحل مشكلة الولاية والناس الذين ثاروا في زمنه لغلاء سعرالخبز، ويثقل كاهل شرائح من الشعب ، كما لم يقترب من أس المشكلة  والبلاء ، وهو الفساد  والفاسدين وسوء  الادارة واستخدام السلطة والمال العام لمصالح شخصية ..
فماذا إقترحوا عليه ؟… وما كان  رده ؟..  وماذا فعل  لكي يبقى ما فعله  خالدا  يصلح للعظة والاعتبار في كل زمان ومكان ..؟ ..
إقترحوا عليه أن يفرض ضريبة على المسيحيين وعلى صناع النسيج في دمشق ، وعندما سألهم عن  قيمة المبالغ التي يمكن الحصول عليها عن هذا الطريق .. جاءه الجواب ما بين خمسين الى ستين كيسا من الذهب .. سألهم ومن أين يأتي هؤلاء  بهذا المال ، وهم من ذوي  الدخل المحدود  ؟.. قالوا يبيعون حلي وذهب زوجاتهم … قال لهم … وماذا تقولون لو حصلت على أكثر من هذا المبلغ وبطريقة أفضل مما تقترحون ..؟
في اليوم التالي إستدعى أسعد باشا مفتي الولاية سرا في الليل وقال له (انني علمت أنك  منذ  زمن  طويل تسلك سلوكا غير قويم في بيتك .. تشرب الخمر وتخالف الشريعة ، وسأبلغ  اسلامبول (اسطنبول) بذلك لكني فضلت أن أبلغك أولا ، لكي لا تكون لك حجة عليّ) ، فوجيء المفتي بما عرضه الباشا وأخذ يتوسل  به ، ويعرض  عليه مبالغ لكي يسد الموضوع .. فعرض في البداية الف قطعة ذهبية فرفض الباشا ، وضاعفه  لكنه رفض أيضا ، وكلما يضاعف المبلغ يرفض الباشا الى أن إتفقا على ستة الاف قطعة  ذهبية فاخذها ثم عزله ..
بعده  استدعى القاضي واتبع معه الطريقة نفسها ، وأبلغه أنه  ليس  جديرا بالثقة التي منحت له ، لانه يقبل الرشوة ويستغل منصبه لمآربه الشخصية ، وهنا أخذ القاضي يناشد الباشا ويعرض عليه  ما عرضه المفتي من مبالغ ودفع ما دفعه  بالتمام ، وغادر مسرعا غير مصدق بنجاته مما وقع فيه  و هكذا فعل مع المحتسب و(آغا الينكجرية) وكبير العسكر والنقيب وشيخ التجار وكبار الأغنياء من المسلمين والنصارى ، فجمع مالاً كثيراً غطى  به الضائقة المالية وزاد منه الكثير.
بعدها سأل حاشيته .. هل سمعتم إني فرضت ضريبة معينة  قالوا لا .. فقال لهم : لقد جمعت مائتي كيس ذهب  بدلا من الخمسبن.. قالوا : وكيف  تمكنت من ذلك يا مولانا .. أجاب : إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان..
تلك  خلاصة  بتصرف لرواية نقلها الرحالة الفرنسي فولني  عن والي دمشق اسعد باشا العظم  خلال رحلاته بين دمشق وبيروت ،   فيها دروس وعبر  كثيرة ، كتب عنها وعلق عليها الكثير ممن (أخوى الفساد) خزائن بلدانهم ووقعوا في ضائقة مالية (إن اقصر الطرق لعبورها  والشروع فيما بعد بخطة للاصلاح والبناء هو أن  يجز الحاكم  صوف الفاسدين – بدلا من  سلخ جلود المواطنين)..  ويبدو  أن هؤلاء  معروفون ، ليس  من محيطهم  فقط ، بل من الحاكم أولا… ولذلك لم يكن أمامهم غير الاستسلام ،  وتنفيذ ما يريد الوالي صاغرين ..
الفاسدون  ليسوا فقط  لصوصا يسرقون  اموال الشعوب وقوتها ومستقبل أجيالها وفرصها في البناء  والتطور ، بل يسرقون الاوطان  كذلك ، ويتركون أهلها  نهبا للحاجة  والحرمان في أوطانهم  ،  أو يتوزعون على  المنافي يتجرعون  مرارة الغربة في اصقاع العالم المختلفة ..
كلام مفيد :
إذا عرفنا كيف فشلنا ، نفهم  كيف ننجح … (ارنست همنغواي ..) ..

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group