حينما يصبح الوطن شركة ربحية!

كفاح محمود كريم

23/11/2020

من محاسن انتشار الوباء الأخير وانهيار اقتصاديات العالم ومغذيها الأساسي (برميل النفط)، أنه كشف عورات تلك الأنظمة الفاسدة وفضح المستور من مخازيها التي أخفتها تحت مُسميات وشعارات وطنية وقومية ودينية زائفة، خاصةً تلك التي تدعي امتلاكها تفويضاً من الرّب للعمل والتحدث والحكم باسمه وكالةً أو تلك التي تحمل رسالة أمة إلى الحاضر والمستقبل، وهي ترتدي خرق التاريخ البالية، وما بين الحكم باسم الرّب والأمة ضاعت الأوطان وسُرقت الأموال ونُهِبت الثروات، وأصبح حال البلاد كما نراها اليوم، من أفشل بلدان العالم وأكثرها فساداً، بل وأكثرها ادّعاءًا بالنضال والوطنية والمقاومة ومقارعة الاستعمار والصهيونية!؟
هذا الوباء وانهيار أسعار النفط وتوقف عجلة الإنتاج، بل ومنع الملايين من مزاولة أعمالهم بسبب الحظر ولفترات طويلة، فضحت كثير من المستور خاصةً تلك الرواتب والمخصصات التي يتمتع بها بعض من شريحة المناضلين وأصحاب القضايا السياسية أو الإيمانية العقائدية أو معارضي النظام السابق، خاصةً ونحن إزاء ممارسة غريبة جداً، بل ومقززة في آنٍ واحد ألا وهي تشريع قوانين تُمنح بموجبها تعويضات ورواتب وامتيازات لا مثيل لها في التاريخ لهؤلاء، نظير تقديمهم خدمات نضالية وإيمانية عقائدية أو لتعرضهم للملاحقة أو الاعتقال والسجن والتعذيب، وهذه التخصيصات المالية كتعويض أو كرواتب يتمتع بها الموصوفين أعلاه مع أسرهم صغاراً وكباراً، وبالتأكيد من ضمنهم الآلاف من الذين هربوا من العراق لأسبابٍ لا علاقة لها البتة بالسياسة أو بالنضال، بل بحثاً عن فرصة للعمل أو الدراسة أو الهجرة أو هروباً من جنايةٍ أو جنحةٍ جنائية غير سياسية، والجميع تمّ تعريفهم أو تكييف هروبهم بحجة ملاحقة النظام لهم.
نأتي إلى لبِّ الموضوع وما استشرى في العراق بعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظام الدكتاتور صدام حسين، وإصدار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تحول بموجبها العمل الوطني إلى تجارة وتعويض خسائر ورواتب بأثرٍ رجعي، حتى أصبحت امتيازات شريحة واحدة من الذين هربوا إلى أراضي المملكة العربية السعودية إثر سحق انتفاضة الربيع في الجنوب والوسط العراقي، تفوق رواتب جميع أساتذة الجامعات العراقية بكافة مستوياتهم العلمية، وأكثر هذه القوانين إهانةً لمبدأ العمل الوطني والمعارضة الحقيقية هو القانون الذي يمنح هذه الشرائح التي تركت البلاد ولجأت إلى إيران أو الالاف من الذين سجنوا لأسباب جنائية أو أخلاقية أو هروب من الجيش او خيانة الأمانة وغيرها مما لا علاقة له بالسياسة وتم اعتبارهم مناضلين، وهربوا الى دول الجوار ومنها الى اوروبا، هذه القوانين التي منحتهم تعويضات خيالية أنهكت موازنة البلاد وساهمت في إيصالها إلى الإفلاس، وفرض طبقة رثة على الدولة والمجتمع، وحقيقة فأن الاعتراض ليس على ما يُعطى تكريماً متوازناً ومعقولاً للمناضلين الوطنيين الحقيقيين، بل الذي يمنح لآلاف مؤلفة من المرتزقة وبتعويضات هائلة وكأنهم عملاء بنوك وتجار أوطان ومافيات.
وإذا ما حسبنا بعد ذلك الرواتب الضخمة المخصصة للرئاسات ولأعضاء الحكومة والبرلمان وملحقاتهم ونثرياتهم وما ينفقونه صدقا او تحايلا، لأدركنا أي لصوص جوعية يسيطرون على خزائن البلد التي كسحوها بالكامل في اول ازمة عالمية، يدفع ثمنها هذا الشعب المخدر بالشعارات والذي ينتخبهم كل أربع سنوات وهو صاغر!
لو لم يكن العمل الوطني شركة تجارية ربحية بهذا الانفاق الخيالي والرواتب والمغريات الضخمة لما تنافس على البرلمان والحكومة الا الوطنيين الحقيقيين والاصلاء في هذا الوطن المباح، ولما كان عدده بالمئات وربما الالاف مع موظفيه وحماياته.
رحم الله الصحفي المصري محمد حسنين هيكل حينما وصفهم باختصار: "انهم مجموعة لصوص سطت على بنك!".
[email protected]

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group