كراسي.. للاوحال

عبد المنعم الاعسم

16/01/2021

للكرسي اربع قوائم، إذْ صُمم لاول مرة (في قديم الزمان) على هدى ارتكاز الحيوان على اربع، وكانت أقدم انواعه قد صُنعت لجلوس الجبابرة والمنتصرين ثم للقضاة والواعظين والجلادين. 
*صُممت الكراسي في البدء من غير مسند “ليسهل الدوران عليها" ثم تفنن صانعوها لتكون مساندهاعلى هيئة اسود او ذئاب او صقور او ثعالب، يتنقلون عليها فوق اكباش مدربة، او على اكتاف رجال اشداء، بعضهم من الاسرى او السجناء او ممن يراد إذلالهم. وكان الطغاة يتمثلون اخلاق تلك البهائم وجموحها وحتى اصواتها، امعانا منهم في اشاعة الرعب والخوف بين الرعية، وذلك قبل ان ينتهي الكرسي الى رمز سياسي للصراع على السلطة، وشتيمة للمتزاحمين على المناصب العليا، المتقاتلين على فتاتها، والى مفردة في شعر الهجاء حين تتآمر الكراسي فيما بينها، وتغدر ببعضها. 
*المؤرخ الشهرستاني يقول كانت الدماء التي هدرناها في التطاحن على الكرسي اكثر من الدماء التي سُفحت لأي غرض آخر. 
*في بلادنا شيء من هذا الحال. فثمة الآن اكثر من كرسي، لأكثر من متربع عليه.. حتى لم تعد هناك قيمة لمبدأ التداول السلمي للكرسي.. فالكراسي صارت لا تعد ولا تُحصى.. منها تحت الارض، تدير حروبها ضد الشعب، وضد الكراسي الاخرى، ومنها منصوبة في الشوارع والساحات ومكاتب الدولة ودور العبادة ، فلا احد يعرف ايّ كرسي حاكم واي كرسي محكوم، بل لا احد يعرف لماذا يتشبث اولئك وهؤلاء بكراسيهم فيما كانت كراسي من سبقوهم قد انقلبت على اصحابها، وغاصت مع الجالسين عليها في الاوحال.. 
ولات ساعة مندم.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group