تتبدل الحكومات والنهج واحد

د. جاسم الحلفي

04/02/2021

لم نسمع خلال هذا الأسبوع إلا ما يوجع القلب. وكيف لنا ان نشهد ما يُسرّ والبلد تديره طغمة حكم لا همَّ لها سوى حفظ مصالحها وإدامتها.
نغفو على خبر مؤلم لنستفيق على واقعة أشد إيلاما. وحينما تَسرب خبر توجه الحكومة الى بيع محطتي توليد كهرباء شط البصرة والرميلة العاملتين إلى شركة كار، لم أصدق للوهلة الأولى ما سمعته، رغم ما تعودنا على سماعه من الفضائح والفواجع التي تسببها طغمة الفساد.
مررت الخبر على مجموعة أصدقاء، وعندما أبدى أحدهم إستغرابه مطالبا بدليل، إجابه صديق آخر مسرعا: لا دخان بدون نار!
ويبدو أن النار تزحف بلهيب حارق على أصول الدولة وممتلكاتها، الامر الذي يتطلب اليقظة ازاء ما يدبر في الظلام من صفقات. فالصفقة التي تمر في غفلة من الشعب، تجد طريقها في مسالك الفساد وتتنفذ دون رادع. أما اذا رُصدت ووجدت مقاومة من الخيرين، فعندها يتم نفي الخبر والادعاء "ان الموضوع المطروح لا يعدو كونه مقترحاً قُدم من احدى الشركات الاستثمارية التي تتعامل مع وزارة الكهرباء، وان هذا المقترح قيد الدراسة شأنه شأن المقترحات الاخرى، لإيجاد الحلول اللازمة لتوفير الطاقة الكهربائية للمواطنين" حسبما جاء في بيان وزارة الكهرباء يوم الجمعة ٢٩ كانون الثاني ٢٠٢١.
فاذا نجحنا في الحفاظ على محطتي الكهرباء وعدم بيعهما، فلا زالت معركتنا قائمة مع صفقة محاصصة جديدة، هي قائمة تعيين ٨٦ سفيرا، تضم نواب سابقين وحاليين وأبناء مسؤولين وأقرباء متنفذين! فالمحاصصة في القائمة واضحة وتعكس أبشع صور الغدر بالوظيفة العامة، وتعارضها مع قانون الخدمة الخارجية رقم (٤٥) لسنة ٢٠٠٨. وبالأخص مادة تعيين السفير، الفرع الثاني، المادة ٩ في اولا، و ثانيا كما في الفقرات، جيم و هاء و واو، وثالثا. إنها فضيحة مجلجلة لا يمكن التستر عليها، ولا ريب في ما تبيّن من تخادم المتنفذين.
انها صفقة إعلان صريح وصلف بأن المحاصصة باقية وتتمدد!
ويبدو أن تغير الحكومات في نظام المحاصصة والفساد لا يعني تغيير أساليب الحكم. فقد أرست الحكومات السابقة قاعدة المحاصصة كنهج لها، وأبت الحكومة الحالية أن تشذ عن ذلك، وواصلت الأسلوب ذاته، أسلوب قمع الاحتجاجات السلمية. وكم كان سوطها لاذعا وهي تقمع بقسوة أصحاب الشهادات العليا الاحد الماضي، مؤكدة بذلك ان لا شيء تقدمه لهم غير الحرمان من الحق في التعبير السلمي.
كذلك يبدو ان هذه الحكومة تناست ما نجم عن قمع تظاهرات أصحاب الشهادات العليا، قبيل إنتفاضة تشرين، وبالتحديد يوم ٢٥ أيلول ٢٠١٩، حيث تحوّل قمع تلك التظاهرة الى مفتتح للقتل الذي برعت فيه حكومة عادل عبد المهدي، وسارت عليه حتى أغرقت العراق في دماء ٧٠٠ شهيد.
وإذا نسيت الحكومة تلك الواقعة، فان عليها ان لا تنسى تعهداتها بحماية التظاهرات السلمية والإستجابة لمطالب المنتفضين. والقمع لم يردع شبابا ضيع الفاسدون حاضرهم، وأعدم المتوحشون مستقبلهم. وكأن لسان حال الشباب يقول: ليس للعاطلين ما يخسرونه، فإحتجاجهم سعي لربح العراق بأسره.
ولا بد لنا في النهاية من التنبيه، الى ان أسباب وعوامل انتفاضة تشرين وتجددها في اية لحظة ما زالت قائمة. فالوطن لا يزال منهوبا من قبل المتنفذين، والعدالة غائبة، والقمع هو ما يلاحق الشباب بدلا من توفير فرصة العمل لهم!

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group