تعرضت أنا الفقير لله وزوجتي وإبنتي الى الاصابة بفيروس كورونا والزمني السرير منذ ما يقرب الشهر ولا أزال في مرحلة النقاهة والرعاية.. لا يمكن لأسطر قليلة أن تصف أو تنقل معاناة شهر كامل من هذا المرض اللعين .. فقد كان وقع الاصابه علي أنا بالذات أكبر من زوجتي وابنتي لما سببه الفيروس لي من مضاعفات خطيرة في عمل الكليتين اللتين أعاني أساسا منذ سنوات من مرض مزمن فيهما كان يستوجب المراجعة الدورية والاشراف المستمر من طبيبي المعالج ، لكنهما لم يبلغا درجة الخطورة مثلما بلغاها بعد اصابتي بكورونا.. عشت شهرا قاسيا مريرا و صراعا رهيبا على جبهتين (كورونا والكليتين) بجسم نحيل لكن بمعنويات عالية كنت استمدها من زوجتي التي وقفت الى جانبي رغم مرضها وابنتي الدكتورة علياء والدكتورة شروق وزوجها الدكتور سيف عبد حيدر الذي حول غرفتي الى مستشفى خاص ، يتابعني صباحا ومساء في العلاج والارشادات والاكل والمعنويات وتكللت جهوده مشكورا بالنجاح ، وله دين في عنقي عسى أن يوفقني الله لرد بعض جميله علينا.. على مدى أشهر كورونا – وما اثقلها – شاعت فكرة انه لا يعرف الطبقية.. هذا صحيح .. فقد إستهدف الجميع .. ملوكا ورعية .. فقد أصاب مثلا رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ورؤساء اخرين وشخصيات ومشاهير وعلماء ومعهم اناس عاديون فقراء كالعبد لله لكن لم يذكرهم أو يتذكرهم أحد قياسا باخرين تحولوا الى نجوم (كورونية) وخبرا يتصدر النشرات والصحف والفضائيات وموضع متابعة واهتمام ليس من وسطهم فقط بل من اخرين لا علاقة لهم بهم.. كان هاتفي مثقلا بالاسماء والارقام .. وكورونا خففت العبء وهذا الثقل عنه ..فاحتفظ بما (يفيد وقت الضيج) كما يقال .. فهل يعرف الموت الطبقية..؟ وهل يعرف المرض التمايز بين هذا وذاك من المرضى.. واقصد التفاوت في المجاملة والوجاهة بين مريض وأخر رغم أن الاثنين تعرضا لنفس المرض وربما يكونان ضمن مستوى إجتماعي إو اقتصادي او ثقافي واحد وربما من عائلة واحدة.. كان التفاوت والتمايز الطبقي واضحا في كورونا وإن عم الجميع في ظلمه.. كورونا كشف بوضوح مستوى التمايز الطبقي في المجتمعات.. فكان تأثيره على طبقة الفقراء اكبر من الاغنياء.. وتبعا لذلك.. كانت تجربة الغني مختلفة في المعاناة عن تجربة الفقير مع هذا المرض اللعين.. كيف للفقير أن يطبق قواعد التباعد الاجتماعي مثلا وهو يسكن في بيت لا تتجاوز مساحته 50 مترا أو يعيش في العشوائيات و يكون مضطرا لاستخدام المواصلات والاماكن المزدحمة.. وقس على ذلك الكثير.. ومنه التفاوت بين الاطفال والطلاب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتعليم عن بعد.. والتغذية ووسائل العلاج التي تعتمد بالدرجة الاساس على المورد المالي الذي يدخل الاسرة. كيف للاسرة أن تؤمن حياتها وسلامتها وهي تعيش على قوت يومها مثلا… وكيف لها أن تؤمن (المعقمات والمطهرات) وهي لا تستطيع أن توفر قوت يومها.. ناهيك عن طبيعة عمل بعض الفئات الاجتماعية القاسي ووضعها الاقتصادي وظروف معيشتها الصعبة.. كورونا استهدف الجميع ، الشباب والاطفال وليس الكهول فقط كما شاع في بداية انتشاره.. وعمق من الطبقية والتفاوت بين المجتمعات أكثر مما كان عليه الحال قبل كورونا… وبذلك يكون للوضع الاقتصادي للاسرة دور كبير في مستوى مواجهة كورونا… وهكذا كشفت كورونا التفاوت الطبقى وعمقته أكثر في المجتمعات واظهرت مستوى الشعوب ودرجة ثقافتها وتقدمها الاقتصادي ودور الحكومات في معالجة الازمات .. وربما وجدت بعض الحكومات في كورونا فرصة لتبرير فشلها وعجزها عن توفير الحياة المناسبة لشعوبها اذا كان كورونا جعلت الناس متساوين في الاصابة به لكنهم متفاوتين في الرعاية والعناية ومستوى مواجهة المرض .. بين غني وفقير .. وبالتأكيد كان ثقله على الفقراء اكبر .. وكان الله في عون الفقراء .. عيال الله .. وكتب الله السلامة للجميع .. اغنياء وفقراء .. والحمد لله في السراء والضراء وفي الابتلاء .. { { { كلام مفيد : من جميل ما قرأت : لا تكره أيامك .. فالحلوة منها أعطتك سعادة ، والحزينة منها أعطتك خبرة ..أما القاسية فقد أعطتك درسا ..