- حقوق الانسان - محنطة فى المتاحف

منى حلمي

10/12/2021

فى 10 ديسمبر 1948 ، تم اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الانسان .
أليست حقيقة مؤسفة ، أن العالم كله ، بعد ثلاثة وسبعين عاما ، من وجود
هذا الميثاق ، ما زال يشهد أشكال ودرجات مختلفة ، من انتهاكات صارخة ، لبنود الميثاق العالمى لحقوق الانسان .
بل اننى أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض ، أن " حقوق الانسان " ، أصبحت محنطة فى المتاحف ، مثل التماثيل ، والكائنات المنقرضة .

المفارقة المحزنة ، أن العالم قد وصل الى اكتشافات طبية وعلمية وتكنولوجية ، فى المائة عام الماضية ، اكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى . ومع لك ، فان انتهاكات " حقوق الانسان " فى المائة عام الماضية ، قد أصيبت فى العالم كله ، بضربات فى مقتل ، لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية والطبية الحادثة .

المفروض ، والمتوقع ، أن الاكتشافات تسعى فى نهاية الأمر ، الى تحسين أحوال كوكب الأرض ، مما يعنى ازدهار " حقوق الانسان " ، وبلوغها أفاقا جديدة ، تحقق سعادة البشر ، وتمتعهم بالعدالة والحرية ، والعيش فى بيئة صحية متوازنة .

المفروض أن أى اكتشاف لا يؤدى الى انتشال البشر من الفقر والعجز والبطالة والمرض والقهر والتعاسة والاحباط ، يُلقى فى عرض البحر ، فما الفائدة منه ؟؟ . كل اكتشاف ، يستلزم انفاق مبالغ خيالية على مدى سنوات من البحوث والدراسات والتجارب . فاذا كان بعد كل هذا العناء ، لن يفيد غالبية البشر ، نساء ، ورجالا ، وأطفالا ، فليذهب الى الجحيم .

لست مندهشة . فالحضارة العالمية السائدة ، التى تحكم كوكب الأرض ، وتضحك علينا بمصطلح " حقوق الانسان " ، حضارة غير مؤهلة فى أساسها ، وأصولها ، لأن تنقذ البشر على كوكب الأرض .
هى حضارة فى عداء واضح ، وفى تناقض جوهرى ، مع " حقوق الانسان " .

" الانسان " المقصود هنا ، هو ما يمثل الغالبية العظمى من النساء ، والرجال ، والأطفال ، والمهمشين ، والمهاجرين ، والأقليات ، والملونين ، وضحايا الارهاب الدينى ، وضحايا الفقر ، والأحوال البيئية غير الانسانية ، وعدم العدالة فى توزيع الموارد والحقوق والامتيازات ، وضحايا الفنون الرديئة ، وضحايا غياب حريات الرأى والتعبير والفكر ، وضحايا التحرش السياسى والتحرش الجنسى ، وضحايا التجارة بالأديان ، و" مافيا " تجارة الأعضاء ،
وضحايا الفساد ، وضحايا الوصاية الدينية ، والاعلام الدينى ، وصحوة النعرات العنصرية ، والعٍرقية ، والذكورية
 .
غالبية عظمى بالملايين ، لا يملكون من أمرهم شيئا ، الا أجسادهم المتعبة المرهقة ،
المنهوكة فى مهانة البطالة ، أو تحت عجلات الانتاج الرأسمالى الشرس ، وعقولهم المغسولة باعلام ، لا يعبد الا رأس المال ، وتكدس الأرباح ، وعرى النساء ، وسلطة الرجال ، وان تستر وراء التعاليم الدينية ، والمواعظ الأخلاقية .
ان ميثاق " حقوق الانسان " ، موضوع لحماية الضعيف . أما الانسان القوى ، لا يحتاج الى وثيقة تسترد حقوقه الضائعة ، أو تحمى حقه ، فى الحاضر والمستقبل .

فالحضارة العالمية السائدة ، مسخرة لحماية الانسان القوى ، وتدعيم ، ملكيته ، وسطوته ، وعنصريته ، وذكوريته ، ورفاهية حياته ، وأمان ، واستمتاعات أطفاله ، وأحفاده ، على مر العصور . ولكن هذه الحضارة العالمية السائدة ، تصدع أدمغتنا كل يوم ، ليلا ، ونهارا ، بالكلام عن حقوق الانسان المهدرة .

اذن لدينا كالمعتاد منذ قديم الأزل ، هذه الآلية المتناقضة ، المتسترة وراء أسماء مخادعة،
" الجوهر غائب " ، لكن " الشكل موجود " .
فالاهتمام بالشكل ، وتحسين الصورة ، وطلاء المنزل من الخارج ، وانفاق الفلوس على
على الزخرفة الخارجية المظهرية ، ما هى الا " تأكيد " ، لا يكذب ، على " انعدام "الجوهر .

علمنا التاريخ ، أن اللصوص ، والنصابون ، والمحتالون ، والمرتزقة ، والقوادون ، والفاسدون ، والجواسيس ، والكاذبون ، وتجار الأديان وأجساد النساء والأطفال،
وسماسرة الأوطان ، ومصاصو الدماء ، وأنصار الفاشية ، هم أبرع الناس فى الكلام عن الأمانة ، والشرف ، والصدق ، والنزاهة ، والعفة ، والفضيلة ، والعدالة ، والحرية ، وكرامة وحقوق الانسان .
عندما عاد جورج برنارد شو ، ( 26 يوليو 1856 – 2 نوفمبر 1950 ) ، من زيارته لأمريكا ، سُئل عن رأيه ، فى تمثال الحرية .
فأجاب بسخريته المعتادة : " الناس عادة ما يصنعون التماثيل للموتى ".

بين كل فترة وأخرى ، تخرج علينا " الموضات " الفكرية ، بالضبط مثل الموضات فى الأزياء . وأنا طوال عمرى ، لم أحب أية موضة فكرية ، معلبة ،
جاهزة ، صممها آخرون ، يُقال عنهم " خبراء " ، ولم يحدث أننى لبست ثوبا حسب
تقليعات باريس ، أو روما ، لندن .
كنت ألبس من الأفكار ما يتناغم مع عقلى ، الذى يشك فى كل الأشياء حتى فى نفسه . وألبس من الأزياء ما ينسجم مع قوامى ، وألوانى المفضلة ، وحالتى المزاجية .
من " الموضات " الفكرية ، التى لم أقتنع بها ، ولم أحبها ، وكشفت خداعها ،
مقولة تتردد على الألسنة ، وكأنها فى مقام النشيد الوطنى ، أو القسم المقدس ،
وهى " حقوق الانسان التى يرعاها المجتمع الدولى والأمم المتحدة ".
اذا كان " المجتمع الدولى " نفسه ، و" الأمم المتحدة " ذاتها ، هما أدوات الحضارة العالمية السائدة غير العادلة ، لترسيخ الأوضاع كما هى عليه ، والابقاء على أساس هذه الحضارة ، وتدعيم الأسمنت المسلح الذى أرساها .

10 ديسمبر 2021 ، بعد 73 عاما من اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الانسان ، لا يسعنى الا التحسر على " حقوق الانسان " ، سطور ، وبنود ، تشهد توقيع كل دول العالم ، وهى حبر على ورق .
الحل فى رأيى ، هو " ابدأ بنفسك " ، و" ابدأى بنفسك " . كل انسانة ، أو كل انسان ، فى أى مكان فى العالم ، يبنى نفسه ، يتعلم ، يشتغل ، يتمرد ، يعى ويفكر ويتثقف ، يرفض أن يكون مقهورا فى البيت وفى العمل .

المفروض أن أى قانون للبشر ، مثل قانون أو ميثاق حقوق الانسان العالمى ، أو حتى لو كان ميثاقا أو قانونا محليا ، أن يأخذ رأى البشر الذين يتحدث باسمهم رجالا ، ونساء وأطفالا.
البشر المتضررون أنفسهم فى كل مجال ، هم الذين يضعون القانون والتشريعات والمواثيق.
هذه بديهية منطقية ، غائبة ، وهذا هو سبب الكوارث ، واعادة انتاج القهر والظلم والتضليل والكذب والتعاسة .
هذه " ألف باء " الديمقراطية والحرية والانسانية ..... والمنطق أيضا .

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group