فاز الصدر فما هي خياراته؟

رافد جبوري

16/05/2018

الانتخابات العراقية لا تفرز فائزا صريحا. هذا هو حالها كل مرة بسبب النظام الانتخابي وعوامل اخرى يعرفها العراقيون. مع ذلك يريد العالم ان يفهم النتائج ويفسرها وقد اعطاه العراقيون هذا العنوان: الصدر هو الفائز الاكبر. فلماذا فاز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر؟ وما الذي سيفعله بفوزه؟ وما الذي يعنيه ذلك للعلاقة بين اميركا وايران؟ تعرضت لكل هذه الاسئلة من اكثر من زميل من الصحفيين البريطانيين والاميركيين. اجبت عن تلك الاسئلة وغيرها وقررت ان اخصص هذا المقال لمناقشة دلالات فوز الصدر ومعاني ذلك التقدم.
في البداية يجب تأشير حقيقة ان التيار الصدري استفاد من حركة المقاطعة الواسعة للانتخابات كما انه قدم رسالة منظمة عن دعمه لوعود الاصلاح ومكافحة الفساد الذي يأن منه العراقيون, كما استثمر التحالف الذي ضمه مع الحركة الاحتجاجية قبل ثلاثة اعوام ثم تراحعت جماهيريا لكن بقي منها زخم سياسي كاف لاحداث تاثير في اصوات الناخبين. لكن العامل الاهم كان انضباط وتنظيم التيارالذي يعد اكثر التيارات تنظيما وانضباطا في العراق. واذا كانت الانشقاقات التي رعتها ايران في تيار الصدر قد افقدته جزءا مهما من ابرز مقاتلي الجناح المسلح لحركته فهي في المقابل زادت من انسجام قاعدته الجماهيرية والتفافها حوله. تلك الانشقاقات اشرت اختلافا بين ايران الراغبة في خلق تنظيمات تتبعها وتتبع مشروعها الايديولوجي بصورة تامة على غرار حزب الله اللبناني, وبين الصدر الذي يتحدر من صلب مرجعية شيعية عربية ترى في النجف مركز قوة مذهبية وفي البعد العربي للعراقيين الشيعة مجالا طبيعيا لابد من التحرك فيه ومن خلاله.
تحرك الصدر فعلا في هذا المجال مؤخرا وكانت زيارته للسعودية العام الماضي محطة مهمة. لتأتي الان نتائج الانتخابات والتغريدة التي كتبها الصدر على موقع تويتر بعد النتائج وتتحدث عن ائتلاف يضم قوى سياسية عراقية عديدة تستبعد حلفاء ايران في تحالفي الفتح و القانون. ثم لم يتأخر الوزير السعودي ثامر السبهان ,الذي ابعدته الحكومة العراقية من منصبه سفيرا لبلاده في العراق, لينطلق مغردا هو الاخر في اعادة لتغريدة الصدر مع تأييد وتحية لها ولصاحبها. كل هذا رفع القلق بين مؤيدي ايران الى اعلى درجاته حول الصدر وتوجهاته. واذا كان تقدم الصدر انتخابيا قد اثار قلق واشنطن وايران بحسب رصد وتقييم وسائل الاعلام الغربية ومنها الزملاء البريطانيين والاميركيين الذين طرحوا اسئلتهم علي, فاننا هنا يجب ان نفرق بين علاقة الصدر بالطرفين.
بالنسبة لايران يجب ان نتسائل هل الصدر معاد لايران؟ الجواب هو بالقطع كلا. هو بالتاكيد اقل الزعماء الشيعة تأثرا بنفوذها وقد اتت نتائج هذه الانتخابات لتعزز من قوته ولكن ليس الى الحد الذي يفرض فيه ارادته على طهران المتحفزة والمستنفرة مع دخول علاقتها مع اميركا في منعطف حاد بعد الغاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب للاتفاق النووي وعودة العقوبات على طهران. هل الصدر ناقد شديد لايران كما وصفته النيويورك تايمز؟ نعرف بالتاكيد ان بعض انصاره لا يخفون عدائهم لايران ونتذكر جيدا هتافهم عندما اقتحموا المنطقة الخضراء ووجدوا انفسهم على المنصة الرئاسية في ساحة الاحتفالات الكبرى فانطلقوا مرددين: يا قاسم سليماني انا الصدر رباني. و ايران برة برة وبغداد تبقى حرة. لكن الصدر نفسه عاد وصحح اتباعه اكثر من مرة ودعاهم في العلن الى استبدال الجهة المستهدفة بالهتاف. فردد بنفسه : امريكا برة برة وبغداد تبقى حرة. لنثبت اذن ان الصدر يقود الحركة التي اسسها والده والتي كان شعارها : كلا كلا امريكا. عداء الصدر لامريكا التي قاد اتباعه في اكثر من انتفاضة ضدها عداء اصيل في هوية الحركة التي يقودها اما خلافه مع ايران فيتعلق بحجمه في الساحة الشيعية وخلافاته مع المنشقين عنه وعدائه مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وتلك كلها خلافات لا تستعصي على المفاوضات داخل البيت الشيعي الذي طالما استطاعت ايران من ان تقوده الى الاتفاق في ظل ظروف مختلفة. يبرز هنا في الذاكرة التاريخية موقف انتخابات الفين وعشرة ورغبة الصدر الشديدة في حرمان المالكي من ولاية ثانية لكن هذا لم يتحقق لان ايران نجحت في ايصال كل الاطراف الشيعية والاطراف الاخرى الى الاتفاق على عدم الاتفاق ابدا مع اياد علاوي الفائز بالعدد الاكبر في المقاعد, وكان هذا هو السبب الرئيس لتشكيل التحالف الوطني من كتلة الصدر-الحكيم التي كانت تسمى الائتلاف الوطني ومن دولة القانون بزعامة المالكي. اما المرحلة الثانية فكانت اختيار المالكي وكان العامل الاهم فيها هو الدعم الاميركي الذي لم يلق ممانعة من ايران.
وهنا يجب ان لا ننسى من جاء ثانيا في هذه الانتخابات, انتخابات الفين وثمانية عشر, انه تحالف الفتح الذي يضم منافسي الصدر الرئيسيين المستعدين لدعم اي تحالف يضم جناحي العبادي والمالكي لحزب الدعوة اذا اتحدا برعاية ايرانية سواء تم ترشيح العبادي لولاية ثانية او لا. وهذا سيترك الصدر امام خيارات محدودة جدا. الخيار الاول هو الانضمام لهذا التحالف ومحاولة الاصلاح من داخله اي البقاء تقريبا في نفس الوضع الذي سبق الانتخابات. او دعم مرشح تريده امريكا والسعودية ولا تؤيده ايران وهو امر مستبعد جدا اذ لن يقف الصدر ضد ايران في مرحلة مصيرية مثل هذه. يبقى خيار لجوء الصدر للمعارضة الذي ربما يقدم قبله مرشحين من كتلته, علي دواي ورائد فهمي على الاغلب, وهنا سيكون من المستبعد ان يحظيا بدعم كاف فيلجأ الصدر بعدها للمعارضة محتفظا بدعواته للاصلاح وعدم اشتراكه في حكومة محاصصة ويتخلص بذلك من الضغوط الايرانية في دعم مرشح لا يقتنع به وايضا لا يضطر الى دعم مرشح مدعوم من اعدائه الاميركيين وغير مؤيد من ايران. يبقى اذن خيار دعم العبادي هو الخيار الاكثر احتمالية امام الصدر مع وعود باستمرار الوعود يتحقيق الاصلاح.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group