الفساد وخراب المجتمع

اسراء حسن

17/09/2022

منذ عام 2003 وحجم التلوث الأخلاقي بلغ ذروته وفي طليعته الفساد بكل صوره وأشكاله من سياسي ومالي وخراب ذمم وضمائر، أنه الفايروس الذي تمكن حتى بأت يفترس المجتمع وينهشه من الداخل تنفيذا لاستراتيجية ماكرة ومدروسة وضعت مسبقا كأولوية قصوى ... يستشري هذا السرطان في الكثير من المواقع الادارية القيادية في الدولة الى حد مخيف، لعل الامر الملفت للانتباه هو انه وبالرغم من ان الكثيرين من هؤلاء المنحرفين يتساقطون في قبضة اجهزة الرقابة الادارية وتلاحقهم الفضائح المدوية في وسائل الاعلام فان امثالهم ممن لم تصل اليهم الرقابه بعد لا يرتدعون ولا يحاولوا ان يراجعوا انفسهم ويتوقفوا عن مواصلة السير في هذا الطريق المحفوف بالالغام وسوء المصير .

واتسائل... هل العيب في قصور التشريعات الحالية أم انه يرجع إلى النظم الاجرائية المعقدة التي تسمح بالتلاعب بها والتحايل عليها لصالح من يرتشون؟ ام ان السبب هو في هشاشة العقوبات والاجزاءات التي تطبق على المنحرفين في حال ادانتهم؟

المشكلة كبيرة ومعقدة ومحاولة ايجاد حلول ناجعة لها هو أمر صعب لأن اسبابها عميقة الجذور ومتشابكة وسوف تستغرق وقتا طويلا حتى يمكن احتوائها والسيطرة عليها والوصول الى نتائج . وربما ولهذا السبب فانها لا يمكن ان تكون مسئولية الاجهزة الرقابية وحدها مهما كانت كفاءة تلك الاجهزة او خبرتها . وانما هي مسئولية مجتمعية شاملة في المقام الاول وعلى ذلك فانه ما لم يتعاون الجميع والدولة بكل قوتها واجهزتها وقوانينها في مقدمتهم ، لمكافحتها والتصدي لها بكل حزم وتصميم فانها سوف تبقى وتستمر وتتفاقم ليدفع المجتمع ثمنا فادحا فيها .

وقد يكون أحد اهم أسبابه التعقيدات الادارية التي تقوم بفتح الطريق واسعا أمامه في سلوكيات الشريحة العظمى من الموظفين حتى لا نقع في خطأ التعميم... وان الضريبة المجتمعية المدفوعة كثمن لهذه التعقيدات المبالغ فيها وكمقابل لما تفرزه من اهدار للصالح العام وتحميل للناس بما لا يطيقون , هي ضريبة هائلة بكل المعايير المادية والاقتصادية والأخلاقية , فهي لا تستثني احدا , وانما يكتوي بنارها الجميع ويشاركون في دفعها مرغمين لقضاء مصالحهم وشراء الوقت الضائع بسبب طول الانتظار في اجراءات ملتوية ومطاطة تقبل كل أشكال المراوغة والتسويف حتى يبقى الفساد هو الباب الوحيد المفتوح أمام الناس..... العلاقة بين التعقيد الحكومي والفساد ليست فرضية وانما برهن على صحتها وواقعيتها ألف دليل ودليل .. الانتصار في الحرب على الفساد لن يتحقق الا بتبسيط الاجراءات الادارية وتغييرأسلوب اتخاذ القرارات على كل المستويات من أعلاها الى أدناها , وتطويرالتشريعات ونسف الروتين ومعالجة فساد الادارة وانحرافهاا من الجذور وليس الاكتفاء بالتعامل مع الأعراض برفض عارم يموج الشارع اليوم عن طريق تظاهرات تشجب وتندد وتطالب بمسائلة من كانوا وراء ما أصابنا من خراب... وعلى نحو ما نرى أصبح الامر مجرد صراخ يتبدد في الهواء لا صدى له طالما بقيت الأسباب على حالها , فالحلول ليست أكثر من مسكنات وقتية لامتصاص نقمة وسخط الجماهير ولكنها لا تصل إلى الجذور والأعماق لتضع نهاية لهذه الكارثة التي حلت بالمجتمع ودمرت وحدته وتماسكه وأخرجته من المسار الذي كان يتحرك فيه.

ختاما .. في رأيي أن محاربته لا تكون بتدمير فاعلية الجهاز الحكومي أو تعجيزه عن القيام بدوره رغم كل المساوئ المقترنة بأدائه لهذا الدور.. وانما بسلاح المحاكمات الناجزة بقوانين رادعة تتعامل معه كجريمة خيانة عظمى للوطن لا مجال فيها للتخاذل أو اللين أو المهادنة أو الالتفاف عليها بمثل القوانين العاجزة الحالية باجراءاتها المعقدة وثغراتها الكثيرة وأحكامها البطيئة وغير الرادعة لأي فاسد أو منحرف... خصوصا وان هذا المرض أصبح مستعصيا على العلاج.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group