هل قصف بوتين للبنى التحتية بالعمق الاوكراني “قرصة اذن” ام انه مقدمة لهجمات أوسع واخطر؟ وماذا عن الوساطة الخليجية المفاجئة؟

رامي الشاعر

11/10/2022

استيقظت روسيا يوم السبت الماضي، 8 أكتوبر، على تفجير إرهابي متعمد لموقع حساس في البنية التحتية المدنية الروسية، جسر القرم.

وبعد إجراء التحقيقات، تمكنت لجنة التحقيق الروسية من الوقوف على هوية الضالعين في التخطيط للهجوم الإرهابي على جسر القرم، حيث صرح رئيس اللجنة، ألكسندر باستريكين، خلال اجتماعه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن الشاحنة انطلقت من بلغاريا، ثم وصلت إلى جورجيا، ومنها إلى أرمينيا، فأوسيتيا الشمالية بروسيا قبل أن تصل إلى إقليم كراسنودار المحاذي للقرم جنوب غربي روسيا.

من جانبه اجتمع الرئيس الروسي بالأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي صباح يوم أمس الاثنين، 10 أكتوبر، حيث قال إن النظام في كييف لطالما استخدم الأساليب الإرهابية منذ فترة طويلة، حتى أنه حاول من قبل تدمير خط أنابيب “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي، علاوة على محاولات متكررة لتنفيذ هجمات إرهابية على منشآت الطاقة الروسية، بما في ذلك 3 هجمات إرهابية ضد محطة الطاقة النووية في مدينة كورسك الروسية، وهو ما أدى إلى تقويض خطوط الجهد العالي للمحطة، حتى أن الهجمة الثالثة من تلك الهجمات أصابت بالضرر 3 خطوط في آن واحد، وذلك بالإضافة إلى ارتكاب عدد آخر من الهجمات الإرهابية ومحاولات ارتكاب جرائم أخرى ضد منشآت الطاقة الكهربائية والبنى التحتية، وهو ما تم إثباته من خلال الأدلة الموضوعية، بما في ذلك شهادات المقبوض عليهم أثناء تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية.

كان الرد الروسي واضحا وصريحا، وأطلقت صواريخ بحرية وبرية طويلة المدى عالية الدقة صباح يوم أمس الاثنين، بناء على اقتراح من وزارة الدفاع الروسية، ووفقا لخطة هيئة الأركان، ضد مرافق الطاقة والقيادة العسكرية والاتصالات في أوكرانيا، حيث أكد الرئيس بوتين أنه إذا ما استمرت محاولات النظام في كييف شن هجمات إرهابية على الأراضي الروسية، فستكون ردود روسيا صارمة تتوافق في نطاقها مع مستوى التهديدات التي تشكلها هذه الهجمات على روسيا.

لعل المزعج في الأمر هو تلك اللكنة الصبيانية التي يلمحها المرء في خطاب المسؤولين السابقين والحاليين في كييف، ومن لف على لفهم في دول البلطيق وبولندا، وهو ما يؤكد تماما على الطبيعة الإرهابية غير المسؤولة لهؤلاء، الذين لا يدركون ما يفعلون، ولا يعون حجم الدمار الذي لحق ببلادهم وشعوبهم، بينما يلعبون هم دور القفازات القذرة في أيادي واشنطن، ولا أبالغ بالقول، وقد سبق وكتبت ذلك أكثر من مرة، إن روسيا كانت ولا زالت قادرة على محو أوكرانيا من على خريطة العالم، وكانت قادرة على السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، إلا أنها لم ترغب في ارتكاب فظائع تشبه الفظائع التي ترتكبها واشنطن في جميع أنحاء العالم على مرأى ومسمع من الدول التي تتشدق اليوم بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن ما قامت به روسيا صباح يوم أمس لم يكن سوى “قرصة أذن”، لا نريد أن تتصاعد أو تستمر، فقد صبرت روسيا كثيرا على استفزازات الغرب وتقديم المساعدات العسكرية والمالية دون أي اعتبار إنساني، للتكلفة الإنسانية والمادية الرهيبة التي تخلفها تلك الأسلحة، وما يسفر عنه إطالة أمد الصراع، ناهيك عن التصعيد والهجمات الإرهابية التي يضع بها النظام الأوكراني نفسه جنبا إلى جنب مع “داعش” و”القاعدة” وغيرها من التنظيمات الإرهابية المجرمة. لهذا فإن روسيا، وبعد سنوات من دعم الغرب للنظام الإرهابي في كييف، قررت فقط أن تعرض جزءا هينا مما يمكن أن يصيب البلاد والعباد عقابا على استمرار واستمراء الوقاحة والتطاول والقتل والتنكيل، لا رغبة في الانتقام، وإنما سعيا للسلام وإنهاء الحرب.

وهذا تحديدا ما دعا إليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حينما أعلن عن رغبته في وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات، استنادا إلى إرادة الشعوب، وإعلاء لحقها في تقرير مصيرها، أثناء توقيعه على معاهدات انضمام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ومنطقتي زابوروجيه وخيرسون إلى حدود روسيا.

لقد أفشل الغرب أي محاولات لإنهاء الأزمة الأوكرانية عن طريق الحوار، وسعى ولا زال يسعى إلى تأجيج الصراع بين الأخوة، ويخلق بذلك جدرانا شاهقة الارتفاع وعقودا من الكراهية لن تندمل خلالها الجراح بين الأشقاء. إلا أنني أعتقد أن اليوم هو نقطة تحول هامة في إعادة النظر والتفكير عند الجميع، ممن ظنوا أن العالم يدار من على مواقع التواصل الاجتماعي ووراء عدسات الكاميرات في بلاتوهات القنوات الفضائية وعبر الفيديو، وخيل إليهم في لحظة خائنة أن روسيا لا تفعل لأنها لا تقدر، بل أقول إن روسيا لا تفعل لأنها لا تريد، لا لأنها لا تقدر، وهو ما نراه جليا اليوم.

إن ما حدث صباح يوم أمس هو إنذار بالدرجة الأولى للقادة الغربيين، ليدركوا مغبة ما يفعلونه بتزويد النظام الإرهابي في كييف بمزيد من الأسلحة. كما أن كل المعطيات تؤكد على أن العلاقات الأمنية بين نظام كييف الحالي وإسرائيل على مستوى يستحيل معه ألا تكون إسرائيل على علم بتفاصيل التخطيط الدقيقة للعملية الإرهابية التي استهدفت جسر القرم، ولم تتخذ أي إجراءات لمنع ذلك، ولم تقم بإعلام روسيا، وليس ذلك غريبا على إسرائيل، التي تشارك زملائها الإرهابيين في سدة الحكم بكييف، وتمارس الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني كاملا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ما زاد وغطى دعوة الرئيس المهرج لحلف “الناتو” للقيام بضربات “نووية استباقية” ضد روسيا، فأي عته، وأي عبث، وأي هذيان! فهل هذا حقا ما ترغبه الشعوب الأوروبية، وهل هذا حقا ما ترغب فيه أروقة السياسة في دول الاتحاد الأوروبي؟

وهل يندرج ما أعرب عنه وزير الخارجية الإستوني، أورماس رينسالو، من “ترحيب” بما أسماه “العملية الخاصة”، ويعني بذلك تفجير جسر القرم، ثم “يهنئ القوات الخاصة الأوكرانية التي ربما تقف وراء العملية”، هل يندرج ذلك تحت بند الدبلوماسية بأي حال من الأحوال؟

أو هل يندرج ما دعا إليه وزيرا الخارجية اللاتفي والليتواني، إدغار رينكيفيكس، وغابريليوس لاندسبيرجيس، على تقديم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، تحت بند “ضمان الأمن والسلامة للشعوب الأوروبية”؟

وهل يمكن أن يوصف مستشار رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، ميخائيل بودولياك، بأي شيء سوى “الإرهاب” بعد أن كتب عبر “تويتر”: “القرم.. الجسر.. البداية”. فما أوجه الاختلاف بين أشرطة الفيديو التي كان يقوم بتسجيلها “الشيخ المجاهد/ أسامة بن لادن” وبين ما يغرده من تغريدات بودولياك؟

لقد لفت نظري خلال تلك الأزمة ما نشر من أخبار بشأن إجراء أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اتصال هاتفي مع الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، لمناقشة آخر المستجدات، وضرورة إنهاء الأزمة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد. وهو ما يبدو لي محاولة لبذل مساعٍ حميدة، نأمل أن تستفيد منها واشنطن وتبدأ التواصل مع الأمير القطري للوساطة مع موسكو من أجل البدء في مرحلة جديدة من الاتصالات لتخفيف التوتر وتفادي المزيد من التصعيد، وهو ما أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاجه، إنقاذا للنظام الأوكراني من ناحية، واستجابة لما تلاحظه واشنطن من عدم ارتياح أوروبي متزايد من التصعيد من ناحية ثانية.

بالتوازي قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها يوم أمس في أنقرة، إن الدول الغربية لم تتمكن من تقييم الأزمة الأوكرانية بشكل معقول، لذلك تفكر بعضها الآن في كيفية النجاة من الشتاء المقبل، حيث قال أردوغان إن الحقبة الجديدة ستصبح فترة للنزاعات وليس للازدهار. وأشار إلى أن معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال العقود الخمس أو الست الماضية تضع الجميع في موقف صعب، بما في ذلك الغرب.

ولا يستطيع المرء في هذا السياق إلا أن يفكر في زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى روسيا ولقائه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ومع أن الزيارة سوف تتطرق، فيما ذكره المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى علاقات الصداقة بين البلدين وعددا من القضايا والتطورات الإقليمية الدولية محل الاهتمام المشترك، إلا أن الأزمة الأوكرانية، فيما أظن، لن تغيب عن طاولة الحوار.

ولا يمكننا بطبيعة الحال أن ننسى نجاح وساطة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في صفقة تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما قوبل بالشكر والامتنان من جميع الأطراف، ليعرب بعدها بن سلمان عن استعداد المملكة “لبذل الجهود للوساطة بين كل الأطراف” لتسوية الأزمة الأوكرانية.

لقد حسمت روسيا الأمر بموافقتها على انضمام شعوب المناطق الأربعة التي رغبت في الانضمام إلى أراضيها، وأصبح على الأطراف الأخرى احترام إرادة الشعوب في حقها لتقرير مصيرها، وعدم المضي قدما في دعم الأنشطة الإرهابية التي يقوم بها النظام الأوكراني في كييف، بعد أن اتضح الآن بما لا يدع مجالا للشك الطبيعة الإرهابية لهذا النظام الذي كان ولا زال يمارس إرهابه منذ العام 2014.

أما إذا استمر الزعماء الغربيون في اتباع نفس النهج، ولم يتجاوبوا مع الجهود الدولية، وتحديدا جهود الخليج وتركيا لحلحلة الأزمة الأوكرانية، فإن ما يلوح في الأفق هو استهداف مستودعات الأسلحة والمصانع العسكرية والسكك الحديدية ومنشآت البنى التحتية التي تلحق الضرر بالأراضي الروسية.

لذلك نأمل أن يتحلى القادة الأوروبيون بالعقل والرشد والحكمة، بعد أن أودت بهم رعونتهم إلى ما نعاني منه اليوم حول العالم، وأن ينجح الخليج في اختراق الجدران بين روسيا وأوكرانيا وبعض الدول الغربية، والتوصل إلى موائمات تفضي إلى وقف لإطلاق النار، ثم إجراءات لبناء الثقة ومن ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group